[ ص: 176 ] فصل ) :
وأما فنوعان : نوع يرجع إلى المكره ونوع يرجع إلى المكره . شرائط الإكراه
( أما ) الذي يرجع إلى المكره فهو أن يكون قادرا على تحقيق ما أوعد ; لأن الضرورة لا تتحقق إلا عند القدرة ، وعلى هذا قال : رضي الله عنه إن الإكراه لا يتحقق إلا من السلطان ، وقال أبو حنيفة أبو يوسف : - رحمهما الله - إنه يتحقق من السلطان وغيره . ومحمد
( وجه ) قولهما : إن الإكراه ليس إلا إيعاد بإلحاق المكروه ، وهذا يتحقق من كل مسلط رضي الله عنه يقول : غير السلطان لا يقدر على تحقيق ما أوعد ; لأن المكره يستغيث بالسلطان فيغيثه فإذا كان المكره هو السلطان فلا يجد غوثا ، وقيل : إنه لا خلاف بينهم في المعنى إنما هو خلاف زمان ففي زمن وأبو حنيفة رضي الله عنه لم يكن لغير السلطان قدرة الإكراه ثم تغير الحال في زمانهما فغير الفتوى على حسب الحال ، والله سبحانه وتعالى أعلم فأما البلوغ فليس بشرط لتحقق الإكراه حتى يتحقق من الصبي العاقل إذا كان مطاعا مسلطا ، وكذلك العقل والتمييز المطلق ليس بشرط فيتحقق الإكراه من البالغ المختلط العقل بعد أن كان مطاعا مسلطا . أبي حنيفة
( وأما ) النوع الذي يرجع إلى المكره فهو أن يقع في غالب رأيه وأكثر ظنه أنه لو لم يجب إلى ما دعي إليه تحقق ما أوعد به ; لأن غالب الرأي حجة خصوصا عند تعذر الوصول إلى التعين حتى أنه لو كان في أكثر رأي المكره أن المكره لا يحقق ما أوعده لا يثبت حكم الإكراه شرعا ، وإن وجد صورة الإيعاد ; لأن الضرورة لم تتحقق ، ومثله لو أمره بفعل ولم يوعده عليه ولكن في أكثر رأي المكره أنه لو لم يفعل تحقق ما أوعد يثبت حكم الإكراه لتحقق الضرورة ولهذا إنه لو كان في أكثر رأيه أنه لو امتنع عن تناول الميتة وصبر إلى أن يلحقه الجوع المهلك لأزيل عنه الإكراه لا يباح له أن يعجل بتناولها ، وإن كان في أكثر رأيه أنه ، وإن صبر إلى تلك الحالة لما أزيل عنه الإكراه يباح أن يتناولها للحال دل أن العبرة لغالب الرأي وأكثر الظن دون صورة الإيعاد والله سبحانه وتعالى أعلم .