أما المفاداة بالمال فلا تجوز عند أصحابنا في ظاهر الروايات وقال وهل للإمام أن يفادي الأسارى ؟ : مفاداة الشيخ الكبير الذي لا يرجى له ولد تجوز ، وعند محمد - رحمه الله - تجوز المفاداة بالمال كيف ما كان ، واحتج بظاهر قوله - عز وجل - { الشافعي فإما منا بعد وإما فداء } وقد فادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسارى بدر بالمال ، وأدنى درجات فعله عليه الصلاة والسلام الجواز ، والإباحة .
( ولنا ) أن قتل الأسرى مأمور به ; لقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق } وأنه منصرف إلى ما بعد الأخذ والاسترقاق لما قلنا ، وقوله - سبحانه وتعالى - { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } والأمر بالقتل للتوسل إلى الإسلام ، فلا يجوز تركه إلا لما شرع له القتل ، وهو أن يكون وسيلة إلى الإسلام ولا يحصل معنى التوسل بالمفاداة ، فلا يجوز [ ص: 120 ] ترك المفروض لأجله ، ويحصل بالذمة والاسترقاق لما بينا فكان إقامة للفرض معنى لا تركا له ، ولأن المفاداة بالمال إعانة لأهل الحرب على الحراب ; لأنهم يرجعون إلى المنعة فيصيرون حربا علينا ، وهذا لا يجوز .
- رحمه الله - يقول : معنى الإعانة لا يحصل من الشيخ الكبير الذي لا يرجى منه ولد فجاز فداؤه بالمال ، ولكننا نقول : إن كان لا يحصل بهذا الطريق يحصل بطريق آخر ، وهو الرأي والمشورة وتكثير السواد وأما قوله تعالى { ومحمد فإما منا بعد وإما فداء } فقد قال بعض أهل التفسير : إن الآية منسوخة بقوله - تبارك وتعالى - { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } .
وقوله تبارك وتعالى - { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية لأن سورة براءة نزلت بعد سورة محمد عليه الصلاة والسلام ويحتمل أن تكون الآية في أهل الكتاب ، فيمن من عليهم بعد أسرهم على أن يصيروا كرة للمسلمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر ، أو ذمة كما فعل سيدنا رضي الله عنه بأهل السواد ، ويسترقون . عمر
( وأما ) أسارى بدر فقد قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك باجتهاده ولم ينتظر الوحي فعوتب عليه بقوله - سبحانه وتعالى - { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } حتى قال عليه الصلاة والسلام { لو أنزل الله من السماء نارا ما نجا إلا رضي الله عنه عمر } يدل عليه قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } على أحد وجهي التأويل أي ما كان لنبي أن يأخذ الفداء في الأسارى حتى يثخن في الأرض ، أي حتى يغلب في الأرض منعة عن أخذ الفداء بها ، وأشار إلى أن ذلك ليغلب في الأرض ; إذ لو أطلقهم لرجعوا إلى المنعة ، وصاروا حربا على المسلمين فلا تتحقق الغلبة ، ويحتمل أن المفاداة كانت جائزة ثم انتسخت بقوله - تبارك وتعالى - { فاضربوا فوق الأعناق } { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } .
وإنما عوتب عليه الصلاة والسلام { لولا كتاب من الله سبق } لا لخطر المفاداة ، بل لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينتظر بلوغ الوحي ، وعمل باجتهاده ، أي لولا من حكم الله - تعالى - أن لا يعذب أحدا على العمل بالاجتهاد ، لمسكم العذاب بالعمل بالاجتهاد ، وترككم انتظار الوحي والله - تعالى - أعلم .