وأما فإن الصبي يحكم بإسلامه تبعا لأبويه عقل أو لم يعقل ما لم يسلم بنفسه إذا عقل ، ويحكم بإسلامه تبعا للدار أيضا ، والجملة فيه : أن الصبي يتبع أبويه في الإسلام والكفر ، ولا عبرة بالدار مع وجود الأبوين أو أحدهما ; لأنه لا بد له من دين تجري عليه أحكامه ، والصبي لا يهتم لذلك إما لعدم عقله ، وإما لقصوره ، فلا بد وأن يجعل تبعا لغيره ، وجعله تبعا للأبوين أولى ; لأنه تولد منهما وإنما الدار منشأ ، وعند انعدامهما في الدار التي فيها الصبي تنتقل التبعية إلى الدار ; لأن الدار تستتبع الصبي في الإسلام في الجملة كاللقيط ، فإذا أسلم أحد الأبوين ، فالولد يتبع المسلم ; لأنهما استويا في جهة التبعية ، وهي التولد والتفرع ، فيرجح المسلم بالإسلام ; لأنه يعلو ولا يعلى عليه ، ولو كان أحدهما كتابيا ، والآخر مجوسيا ، فالولد كتابي ; لأن الكتابي إلى أحكام الإسلام أقرب ، فكان الإسلام منه أرجى وبيان هذه الجملة : إذا الحكم بالإسلام من طريق التبعية . سبي الصبي ، وأخرج إلى دار الإسلام ،
فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه : إما أن سبي مع أحدهما ، وإما أن سبي مع أحدهما ، وإما أن سبي وحده فإن سبي مع أبويه فما دام في دار الحرب ، فهو على دين أبويه ، حتى لو مات لا يصلى عليه وهذا ظاهر وكذا إذا سبي مع أحدهما وكذلك إذا خرج إلى دار الإسلام ومعه أبواه أو أحدهما لما بينا ، فإن مات الأبوان بعد ذلك فهو على دينهما حتى يسلم بنفسه ، ولا تنقطع تبعية الأبوين بموتهما ; لأن بقاء الأصل ليس بشرط لبقاء الحكم في التبع ، وإن أخرج إلى دار الإسلام وليس معه أحدهما فهو مسلم ; لأن التبعية انتقلت إلى الدار على ما بينا ، ولو أسلم أحد الأبوين في دار الحرب ، فهو مسلم تبعا له ; لأن الولد يتبع خير الأبوين دينا لما بينا ، وكذا إذا أسلم أحد الأبوين في دار الإسلام ثم سبي الصبي بعده وأدخل في دار الإسلام ، فهو مسلم تبعا له ; لأنه جمعهما دار واحدة ; لأن تبعية الدار لا تعتبر مع أحد الأبوين لما ذكرنا .
فأما قبل الإدخال في دار الإسلام فلا يكون مسلما ; لأنهما في دارين مختلفين ، واختلاف الدار يمنع التبعية في الأحكام الشرعية والله - سبحانه وتعالى - أعلم ثم إنما إذا لم يسلم بنفسه وهو يعقل الإسلام ، فأما إذا أسلم وهو يعقل الإسلام فلا تعتبر التبعية ، ويصح إسلامه عندنا وعند تعتبر تبعية الأبوين والدار - رحمه الله - لا يصح واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام { الشافعي } أخبر عليه الصلاة والسلام أن الصبي مرفوع القلم والفقه مستنبط منه ، وهو أن الصبي لو صح إسلامه إما أن يصح فرضا ، وإما أن يصح نفلا ومعلوم أن التنفل بالإسلام محال ، والفرضية بخطاب الشرع ، والقلم عنه مرفوع ، ولأن صحة الإسلام من الأحكام الضارة ، فإنه سبب لحرمان الميراث والنفقة ، ووقوع الفرق بين الزوجين . رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ
والصبي ليس من أهل التصرفات الضارة ، ولهذا لم يصح طلاقه وعتاقه ، ولم يجب عليه الصوم والصلاة ، فلا يصح إسلامه .
( ولنا ) أنه آمن بالله - سبحانه وتعالى - عن غيب فيصح إيمانه كالبالغ ، وهذا لأن الإيمان عبارة عن التصديق لغة وشرعا ، وهو تصديق الله - سبحانه وتعالى - في جميع ما أنزل على رسله ، أو تصديق رسله في جميع ما جاءوا به عن الله - تبارك وتعالى - وقد وجد ذلك منه لوجود دليله ، وهو إقرار العاقل ، وخصوصا عن طوع ، فترتب عليه الأحكام ; لأنها مبنية على وجود الإيمان حقيقة قال الله - تبارك وتعالى - { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقال عليه الصلاة والسلام { } وقوله : إنه مرفوع القلم قلنا : نعم . : لا يرث المؤمن الكافر ، ولا الكافر المؤمن
في الفروع الشرعية فأما في الأصول العقلية فممنوع ، ووجوب الإيمان من الأحكام العقلية ، فيجب على كل عاقل والحديث يحمل على الأحكام الشرعية توفيقا بين الدلائل ، وبه نقول والله - سبحانه وتعالى - أعلم .