( ومنها ) الرضا في أحد نوعي القسمة ، وهو إذا كانوا من أهل الرضا ، أو رضا من يقوم مقامهم ، إذا لم يكونوا من أهل الرضا فإن لم يوجد لا يصح ، حتى لو كان في الورثة صغير لا وصي له ، أو كبير غائب ، فاقتسموا ; فالقسمة باطلة ; لما ذكرنا أن القسمة فيها معنى البيع ، وقسمة الرضا أشبه بالبيع ، ثم لا يملكون البيع إلا بالتراضي ، فكذا القسمة ، إلا إذا لم يكونوا من أهل الرضا كالصبيان والمجانين فيقسم الولي أو الوصي إذا كان في القسمة منفعة لهم ; لأنهما يملكان البيع فيملكان القسمة ، وكذا إذا كان فيهم صغير وله ولي ، أو وصي ، يقتسمون برضا الولي أو الوصي ، فإن لم يكن نصب القاضي عن الصغير وصيا ، واقتسموا برضاه فإن أبى ترافعوا إلى القاضي ، حتى يقسم بينهم ، ومنها حضرة الشركاء أو من يقوم مقامهم في نوعي القسمة ، حتى لو كان فيهم كبير غائب لا تجوز القسمة أصلا ولا يقسم القاضي أيضا إذا لم يكن عنه خصم حاضر ولكنه لو قسم لا تنقص قسمته ; لأنه صادف محل الاجتهاد فلا ينقض . رضا الشركاء فيما يقسمونه بأنفسهم
ومنها البينة في قسمة القضاء في الإقرار بميراث الإقرار عند - رحمه الله - وعندهما ليست بشرط ويقسم بإقرارهم فنقول - جملة الكلام في بيان هذين الشرطين : إن جماعة إذا جاءوا إلى القاضي ، وهم عقلاء بالغون أصحاء في أيديهم مال ، فأقروا أنه ملكهم ، وطلبوا القسمة من القاضي فهذا لا يخلو في الأصل من أحد وجهين : . أبي حنيفة
( إما ) أن يقروا بالملك مطلقا عن ذكر سبب ، وإما أن يقروا بالملك بسبب ادعوا انتقال الملك به من أحد ، وكل وجه على وجهين : ( إما ) أن يكون المال الذي في أيديهم منقولا ، وإما أن يكون عقارا ، فإن أقروا بالملك مطلقا عن سبب الانتقال قسم بإقرارهم ، ويذكر في الإشهاد في كتاب الصك أني قسمت بإقرارهم ولم أقض فيه على أحد .
ولا يطلب منهم البينة على أصل الملك منقولا [ ص: 23 ] كان المال أو عقارا ، إذا لم يكن فيهم كبير غائب ; لأنه وجد دليل الملك وهو اليد والإقرار من غير منازع ، ولا دعوى انتقال الملك من أحد إليه ، فإن كان فيهم كبير غائب لم يقسم ; لما ذكرنا أن حضرة الشركاء أو من يقوم مقامهم شرط ولم يوجد ; لأن الخصوم في هذا الموضع لا يصلحون خصما عن الغائب ، وإن أقروا بالملك بسبب الميراث بأن قالوا : هو بيننا ميراث عن فلان فإن كان المال منقولا ; قسم بينهم بإقرارهم بالإجماع ، ولا تطلب منهم البينة ، وإن كان فيهم كبير غائب بعد أن كان الحاضران اثنين كبيرين أو أحدهما صغير قد نصب عنه وصي ، وإن كان المال عقارا فلا يقسم عند - رحمه الله - حتى يقيموا البينة على موت فلان وعلى عدد الورثة ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله - يقسم بينهم بإقرارهم ، ويشهد على ذلك في الصك . ومحمد
( وجه ) قولهما أن محل قسمة الملك المشترك وقد وجد لوجود دليل الملك - وهو اليد والإقرار بالإرث - من غير منازع فصادفت القسمة محلها فيقسم ، ويكتب أنه قسم بإقرارهم كما في المنقول ; ولأن البينة إنما تقام على منكر ، والكل مقرون فعلى من تقام البينة ؟ ( وجه ) قول أن هذه قسمة صادفت حق الميت بالإبطال فلا تصح إلا ببينة كدعوى الاستحقاق على الميت ، وبيان ذلك أن الدار قبل القسمة مبقاة على حكم ملك الميت ، بدليل أن الزوائد الحادثة قبل القسمة تحدث على ملكه ، حتى لو كانت التركة شجرة فأثمرت كان الثمر له حتى تقضى منه ديونه ، وتنفذ منه وصاياه ، فكانت القسمة تصرفا على ملكه بالإبطال فلا يجوز إلا ببينة بخلاف المنقول ; لأن القسمة ليس قطعا لحق الميت بل هي حفظ حق الميت ; لأن المنقول محتاج إلى الحفظ والقسمة نوع حفظ له . أبي حنيفة
وأما العقار فمستغن عن الحفظ ، فبقيت قسمته قطعا لحقه فلا يملك إلا ببينة .
وأما قولهما لا منكر ههنا فعلى من تقام البينة ؟ ( قلنا ) : تقام على بعض الورثة من البعض ، وإن كانوا مقرين - وذلك جائز - كالأب أو الوصي إذا أقرا على الصغير لا يصح إقراره إلا بالبينة ولا منكر ههنا ، كذا هذا .
هذا إذا أقروا بالملك بسبب الإرث ، فإن أقروا به بسبب الشراء من فلان الغائب فإن كان المال منقولا قسم بينهم بإقرارهم بلا خلاف ، وإن كان عقارا ذكر في ظاهر الرواية أنه يقسم بإقرارهم ولا تطلب منهم البينة على الشراء من فلان ، وفرق بين الشراء وبين الميراث ، وروي عن رضي الله عنه أنه لا يقسم إلا بالبينة كالميراث . أبي حنيفة
( وجه ) هذه الرواية أنهم لما أقروا أنهم ملكوه بالشراء من فلان فقد أقروا بالملك له ، وادعوا الانتقال إليهم من جهته ، فإقرارهم مسلم ودعواهم ممنوعة ومحتاجة إلى الدليل وهو البينة .
( وجه ) ظاهر الرواية وهو الفرق بين الشراء وبين الميراث أن امتناع القسمة في المواريث بنفس الإقرار لما يتضمن من إبطال حق الميت ، وذلك منعدم في باب البيع إذ لا حق باق للبائع في المبيع بعد البيع والتسليم ; فصادفت محلها فصحت ، هذا إذا لم يكن في الورثة كبير غائب أو صغير حاضر ، فإن كان فأقروا بالميراث فلا يشكل ، عند رضي الله عنه أنه لا يقسم بإقرارهم ; لأنه لا يقسم بين الكبار الحضور فكيف يقسم ههنا ؟ وأما عندهم فينظر إن كانت الدار في يد الكبار الحضور يقسم بينهم ; لما بينا ، ويضع حصة الغائب على يد عدل يحفظه ; لأن بعض الورثة خصم من البعض ، وينصب عن الصغير وصيا وإن كانت الدار في يد الغائب الكبير أو في يد الحاضر الصغير أو في أيديهما منها شيء ; لا يقسم ، حتى تقوم البينة على الميراث وعدد الورثة بالإجماع . أبي حنيفة
لأنه إذا كان في يده من الدار شيء فالحاجة إلى استحقاق ذلك من يده ، فلا يصح إلا ببينة هذا إذا لم تقم البينة على ميراث العقار ، فأما إذا قامت البينة عليه وطلبوا القسمة فإنه ينظر : إن كان الحاضر اثنين فصاعدا والغائب واحدا أو أكثر وفيهم صغير حاضر ; فإنه يقسم ويعزل نصيب كل كبير وصغير ، فيوكل وكيلا يحفظه ، بخلاف الملك المطلق إذا حضر شريكان وشريك غائب ; أنه لا يقسم .
( ووجه ) الفرق ما ذكرنا أن قسمة العقار تصرف على الميت وقضاء عليه بقطع حقه عن التركة ، وكل واحد من الورثة قائم مقام الميت فيما له وعليه ; ولهذا يرد كل واحد منهم بالعيب ، ويرد عليه فإذا كان الحاضر اثنين فصاعدا أمكن أن يجعل أحدهما خصما عن الميت في القضاء عليه ، والآخر مقضيا له فتصح القسمة ، وإن كان الحاضر واحدا والباقون غيبا لم يقسم ; لأنه لا يمكن أن يجعل هو خصما عن الميت حتى تسمع البينة عليه ; لاستحالة كون الشخص الواحد في زمان واحد بجهة واحدة مقضيا له وعليه ، وإن كان مع الحاضر وارث [ ص: 24 ] صغير نصب القاضي عنه وصيا وقسم ; لأن القسمة ههنا ممكنة ; لوجود متقاسمين حاضرين ، وإذا قسم المنقول - بين الورثة بإقرارهم - أو العقار - بالبينة عند - رحمه الله - وفيهم كبير غائب فعزل نصيبه ووضعه على يدي عدل ، ثم حضر الغائب فإن أقر ، كما أقروا أولئك ، فقد مضى الأمر ، وإن أنكر ترد القسمة في المنقول بالإجماع . أبي حنيفة
وكذلك في العقار عند أبي يوسف ، وعند ومحمد - عليه الرحمة - في العقار لا ترد القسمة ; لأن القسمة المبنية على البينة قد تقدمت على الغائب فلا يعتبر إنكاره ، ولو كانت الدار ميراثا وفيه وصية بالثلث وبعض الورثة غائب ، فطلب الموصى له بالثلث القسمة بعد ما أقام البينة على الميراث والثلث قسم ; لأن الموصى له بمنزلة واحدة من الورثة ، فإذا كان معه وارث حاضر فكأنه حضر اثنان من الورثة ، ولو كان كذلك ; قسم وإن كان الباقون غيبا ، كذا هذا والله سبحانه وتعالى أعلم . أبي حنيفة