فإن كان فقيرا له أن يأخذ ; لأنه يعمل للمسلمين فلا بد له من الكفاية ، ولا كفاية له ، فكانت كفايته في بيت المال ، إلا أن يكون له ذلك أجرة عمله ، وينبغي للإمام أن يوسع عليه وعلى عياله كي لا يطمع في أموال الناس . وهل للقاضي أن يأخذ الرزق ؟
وروي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث [ ص: 14 ] عتاب بن أسيد رضي الله عنه إلى مكة ، وولاه أمرها ، رزقه أربعمائة درهم في كل عام } .
وروي أن الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجروا لسيدنا رضي الله عنه كل يوم درهما وثلثا أو ثلثين من بيت المال ، وكذا روي أنه كان لسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه مثل ذلك من بيت المال ، وكان لسيدنا عمر رضي الله عنه كل يوم قصعة من ثريد ، ورزق سيدنا علي رضي الله عنه عمر ، وروي أن سيدنا شريحا فرض له خمسمائة درهم في كل شهر وإن كان غنيا اختلفوا فيه قال بعضهم : لا يحل له أن يأخذ ; لأن الأخذ بحكم الحاجة ، ولا حاجة له إلى ذلك ، وقال بعضهم : يحل له الأخذ ، والأفضل له أن يأخذ . عليا
أما الحل ; فلما بينا أنه عامل للمسلمين ، فكانت كفايته عليهم لا من طريق الأجر وأما الأفضلية ; فلأنه وإن لم يكن محتاجا إلى ذلك فربما يجيء بعده قاض محتاج ، وقد صار ذلك سنة ورسما ، فتمتنع السلاطين عن إبطال رزق القضاة إليهم - خصوصا سلاطين زماننا - فكان الامتناع من الأخذ شحا بحق الغير ، فكان الأفضل هو الأخذ ، وليس للقاضي أن يستخلف إلا إذا أذن له الإمام بذلك ; لأنه يتصرف بالتفويض فيتقدر بقدر ما فوض إليه كالوكيل ، ولو استخلف تتوقف قضايا خليفته على إجازته بمنزلة الوكيل الخاص ، إذا وكل غيره فتصرف ، ولو كان الإمام أذن له بذلك كان له ذلك ، كالوكيل العام وفي آداب القضاء وما ندب القاضي إلى فعله كثرة لها كتاب مفرد هناك ، إن شاء الله تعالى .