( وأما ) البلوغ والحرية والإسلام والعدالة فليست من شرائط التحمل ، بل من شرائط الأداء حتى لو ، أو كافرا ، أو فاسقا ، ثم بلغ الصبي ، وعتق العبد ، وأسلم الكافر ، وتاب الفاسق فشهدوا عند القاضي ، تقبل شهادتهم ، وكذا العبد إذا تحمل الشهادة لمولاه ، ثم عتق فشهد له ، تقبل . كان وقت التحمل صبيا عاقلا ، أو عبدا
وكذا ، تقبل شهادتها ; ; لأن تحملها الشهادة للمولى والزوج صحيح ، وقد صارا من أهل الأداء بالعتق والبينونة ، فتقبل شهادتهما ، ولو شهد الفاسق فردت شهادته لتهمة الفسق ، أو شهد أحد الزوجين لصاحبه فردت شهادته لتهمة الزوجية ، ثم شهدوا في تلك الحادثة بعد التوبة والبينونة ، لا تقبل . المرأة إذا تحملت الشهادة لزوجها ثم بانت منه فشهدت له
على مسلم في حادثة فردت شهادته ، ثم أسلم الكافر وعتق العبد وبلغ الصبي فشهدوا في تلك الحادثة بعينها ، تقبل ( ووجه ) الفرق أن الفاسق والزوج لهما شهادة في الجملة ، وقد وردت فإذا شهدوا بعد التوبة وزوال الزوجية في تلك الحادثة ، فقد أعاد تلك الشهادة وهي مردودة ، والشهادة المردودة لا تحتمل القبول بخلاف الكافر والعبد والصبي ; ; لأنه لا شهادة للكافر على المسلم أصلا ، وكذا الصبي والعبد لا شهادة لهما أصلا ، فإذا أسلم الكافر وعتق العبد وبلغ الصبي ، فقد حدثت لهم بالإسلام والعتق والبلوغ شهادة ، وهي غير المردودة فقبلت فهو الفرق والثالث : أن يكون التحمل بمعاينة المشهود به بنفسه لا بغيره ، إلا في أشياء مخصوصة يصح التحمل فيها بالتسامع من الناس ، لقوله عليه الصلاة والسلام للشاهد { ولو شهد العبد أو الصبي العاقل أو الكافر } ولا يعلم مثل الشمس إلا بالمعاينة بنفسه فلا تطلق : إذا علمت مثل الشمس فاشهد ، وإلا فدع إلا في أشياء مخصوصة ، وهي النكاح والنسب والموت ، فله تحمل الشهادة فيها بالتسامع من الناس ، وإن لم يعاين بنفسه ; ; لأن مبنى هذه الأشياء على الاشتهار فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة . الشهادة بالتسامع
وكذا إذا شهد العرس والزفاف يجوز له أن يشهد بالنكاح ; لأنه دليل النكاح ، وكذا في الموت إذا شهد جنازة رجل أو دفنه ، حل له أن يشهد بموته واختلفوا في تفسير التسامع ، فعند - رحمه الله - هو أن يشتهر ذلك ويستفيض وتتواتر به الأخبار عنده من غير تواطؤ ; ; لأن الثابت بالتواتر والمحسوس بحس البصر والسمع سواء ، فكانت الشهادة بالتسامع شهادة عن معاينة ، فعلى هذا إذا أخبره بذلك رجلان ، أو رجل وامرأتان لا يحل له الشهادة ما لم يدخل في حد التواتر وذكر محمد أحمد بن عمرو بن مهران الخصاف أنه إذا أخبره رجلان عدلان ، أو رجل [ ص: 267 ] وامرأتان أن هذا ابن فلان أو امرأة فلان ، يحل له الشهادة بذلك استدلالا بحكم الحاكم وشهادته ، فإنه يحكم بشهادة شاهدين من غير معاينة منه بل بخبرهما ، ويجوز له أن يشهد بذلك بعد العزل ، كذا هذا ولو أخبره رجل أو امرأة بموت إنسان حل للسامع أن يشهد بموته فعلى هذا يحتاج إلى الفرق بين الموت وبين النكاح والنسب ، ووجه الفرق : أن مبنى هذه الأشياء وإن كان على الاشتهار ، إلا أن الشهرة في الموت أسرع منه في النكاح والنسب ، لذلك شرط العدد في النكاح والنسب ، لا في الموت ، لكن ينبغي أن يشهد في كل ذلك على البتات والقطع دون التفصيل والتقييد ، بأن يقول : " إني لم أعاين ذلك ولكن سمعت من فلان كذا وكذا " حتى لو شهد كذلك لا تقبل .
وأما الولاء فالشهادة فيه بالتسامع غير مقبولة عند أبي حنيفة - رحمهما الله - وهو قول ومحمد - رحمه الله - الأول ، ثم رجع وقال تقبل ، وذكر أبي يوسف - رحمه الله - قول الطحاوي مع محمد الآخر ، ووجهه أن الولاء لحمة كلحمة النسب ، ثم الشهادة بالتسامع في النسب مقبولة ، كذا في الولاء ، ألا ترى أنا كما نشهد أن سيدنا أبي يوسف كان عمر ابن الخطاب رضي الله عنه نشهد أن كان مولى ابن سيدنا نافعا رضي الله عنهما ، والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن جواز عمر لما أن مبنى النسب على الاشتهار ، فقامت الشهرة فيه مقام السماع بنفسه ، وليس مبنى الولاء على الاشتهار فلا بد من معاينة الإعتاق ، حتى لو اشتهر اشتهار الشهادة بالتسامع في النسب لابن سيدنا نافع رضي الله عنهما حلت الشهادة بالتسامع . عمر
وأما فلم يذكره في ظاهر الرواية ، إلا أن مشايخنا ألحقوه بالموت ; ; لأن مبنى الوقف على الاشتهار أيضا كالموت فكان ملحقا به ، وكذا تجوز الشهادة بالتسامع في القضاء والولاية : أن هذا قاضي بلد كذا ووالي بلد كذا ، وإن لم يعاين المنشور ; ; لأن مبنى القضاء والولاية على الشهرة ، فقامت الشهرة فيها مقام المعاينة ، ثم تحمل الشهادة كما يحصل بمعاينة المشهود به بنفسه يحصل بمعاينة دليله ، بأن يرى ثوبا أو دابة أو دارا في يد إنسان يستعمله استعمال الملاك من غير منازع حتى لو خاصمه غيره فيه يحل له أن يشهد بالملك لصاحب اليد ; ; لأن اليد المتصرفة في المال من غير منازع دليل الملك فيه ، بل لا دليل بشاهد في الأموال أقوى منها وزاد الشهادة بالتسامع في الوقف فقال : لا تحل له الشهادة حتى يقع في قلبه أيضا أنه له ، وينبغي أن يكون هذا قولهم جميعا : أنه لا تجوز للرائي الشهادة بالملك لصاحب اليد حتى يراه في يده ، يستعمله استعمال الملاك من غير منازع ، وحتى يقع في قلبه أنه له ، وذكر في الجامع الصغير ، وقال : " كل شيء في يد إنسان سوى العبد والأمة يسعك أن تشهد أنه له " استثنى العبد والأمة فيقتضي أن لا تحل له الشهادة بالملك لصاحب اليد فيهما إلا إذا أقرا بأنفسهما ، وإنما أراد به العبد الذي يكون له في نفسه يد ، بأن كان كبيرا يعبر عن نفسه . أبو يوسف
وكذا الأمة ; ; لأن الكبير في يد نفسه ظاهر ، إذ الأصل هو الحرية في بني آدم ، والرق عارض فكانت يده إلى نفسه أقرب من يد غيره فلم تصلح يد غيره دليل الملك فيه بخلاف الجمادات والبهائم ; ; لأنه لا يد لها ، فبقيت يد صاحب اليد دليلا على الملك ; ولأن الحر قد يخدم كأنه عبد عادة ، وهذا أمر ظاهر في متعارف الناس وعاداتهم فتعارض الظاهران فلم تصلح اليد دليلا فيه أما إذا كان صغيرا لا يعبر عن نفسه ، كان حكمه حكم الثوب والبهيمة ; ; لأنه لا يكون له في نفسه يد فيلحق بالعروض والبهائم فتحل للرائي الشهادة بالملك فيه لصاحب اليد ، والله سبحانه وتعالى أعلم .