( فصل ) :
وأما : فالوقف إذا جاز على اختلاف العلماء في ذلك ، فحكمه أنه يزول [ ص: 221 ] الموقوف عن ملك الواقف ولا يدخل في ملك الموقوف عليه ، لكنه ينتفع بغلته بالتصدق عليه ; لأن الوقف حبس الأصل وتصدق بالفرع ، والحبس لا يوجب ملك المحبوس كالرهن ، والواجب أن يبدأ بصرف الفرع إلى مصالح الوقف من عمارته وإصلاح ما وهي من بنائه وسائر مؤناته التي لا بد منها ، سواء شرط ذلك الواقف أو لم يشرط ; لأن الوقف صدقة جارية في سبيل الله تعالى ، ولا تجري إلا بهذا الطريق . حكم الوقف الجائز وما يتصل به
ولو ، فالعمارة على من له السكنى ; لأن المنفعة له فكانت المؤنة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام : { وقف داره على سكنى ولده } كالعبد الموصى بخدمته أن نفقته على الموصى له بالخدمة ; لما قلنا ، كذا هذا ، فإن امتنع ، من العمارة ولم يقدر عليها بأن كان فقيرا ، آجرها القاضي وعمرها بالأجرة ; لأن استيفاء الوقف واجب ولا يبقى إلا بالعمارة ، فإذا امتنع عن ذلك أو عجز عنه ناب القاضي منابه في استبقائه بالإجارة ، كالعبد والدابة إذا امتنع صاحبها عن الإنفاق عليها أنفق القاضي عليها بالإجارة ، كذا هذا . الخراج بالضمان
وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه ، وإن استغنى عنه أمسكه إلى وقت الحاجة إلى عمارته فيصرفه فيها ، ولا يجوز أن يصرفه إلى مستحقي الوقف ; لأن حقهم في المنفعة والغلة لا في العين ، بل هي حق الله تعالى على الخلوص ، ولو لا يعود إلى ملكه ، ويكون مسجدا أبدا عند جعل داره مسجدا فخرب جوار المسجد أو استغنى عنه ، وعند أبي يوسف يعود إلى ملكه ( وجه ) قول محمد أنه أزال ملكه بوجه مخصوص وهو التقرب إلى الله تعالى بمكان يصلي فيه الناس ، فإذا استغنى عنه فقد فات غرضه منه فيعود إلى ملكه ، كما لو كفن ميتا ثم أكله سبع وبقي الكفن يعود إلى ملكه ، كذا هذا محمد أنه لما جعله مسجدا فقد حرره وجعله خالصا لله تعالى على الإطلاق ، وصح ذلك فلا يحتمل العود إلى ملكه كالإعتاق ، بخلاف تكفين الميت ; لأنه ما حرر الكفن وإنما دفع حاجة الميت به وهو ستر عورته ، وقد استغنى عنه فيعود ملكا له وقوله : أزال ملكه بوجه وقع الاستغناء عنه ، قلنا : ممنوع ، فإن المجتازين يصلون فيه ، وكذا احتمال عود العمارة قائم ، وجهة القربة قد صحت بيقين فلا تبطل باحتمال عدم حصول المقصود ، ولو ولأبي يوسف قال بعضهم : هو على الاختلاف ، على قول وقف دارا أو أرضا على مسجد معين يجوز ، وعلى قول أبي يوسف لا يجوز ، بناء على أن المسجد عند محمد لا يصير ميراثا بالخراب ، وعند أبي يوسف يصير ميراثا ، وقال محمد أبو بكر الأعمش : ينبغي أن يجوز بالاتفاق وقال أبو بكر الإسكاف : ينبغي أن لا يجوز بالاتفاق .