( كتاب اللقيط )
الكلام في اللقيط في مواضع في ، وفي بيان حاله ، وفي بيان ما يتعلق به من الأحكام . تفسير اللقيط لغة وعرفا
أما في اللغة : فهو فعيل من اللقط وهو اللقاء بمعنى المفعول ، وهو الملقوط وهو الملقى أو الأخذ والرفع بمعنى الملقوط وهو المأخوذ والمرفوع عادة لما أنه يؤخذ فيرفع وأما في العرف فنقول هو اسم للطفل المفقود وهو الملقى أو الطفل المأخوذ والمرفوع عادة فكان تسميته لقيطا باسم العاقبة ; لأنه يلقط عادة أي : يؤخذ ويرفع وتسمية الشيء باسم عاقبته أمر شائع في اللغة قال الله تعالى جل شأنه { إني أراني أعصر خمرا } وقال الله تعالى جل شأنه { إنك ميت وإنهم ميتون } سمى العنب خمرا والحي الذي يحتمل الموت ميتا باسم العاقبة كذا هذا .
( فصل ) :
وأما فله أحوال ثلاث لا بد من التعرف عنها حاله في الحرية والرق ، وحاله في النسب . بيان حاله
أما حاله في الحرية والرق : فهو أنه حر من حيث الظاهر ، كذا روي عن سيدنا وسيدنا عمر أنهما حكما بكون اللقيط حرا ; ولأن الأصل هو الحرية في بني علي آدم ; لأن الناس كلهم أولاد سيدنا آدم عليه الصلاة والسلام وحواء وهما كانا [ ص: 198 ] حرين والمتولد من الحرين يكون حرا وإنما حدث الرق في البعض شرعا بعارض الاستيلاء بسبب عارض وهو الكفر الباعث على الحراب فيجب العمل بالأصل حتى يقوم الدليل على العارض فرتب عليه أحكام الأحرار من أهلية الشهادة والإعتاق والتدبير والكتابة واستحقاق الحد على قاذفه وغير ذلك من الأحكام المختصة بالأحرار إلا أنه لا يحد قاذف أمة ، لأن إحصان المقذوف شرط انعقاد علة توجب على القاذف ولم يعرف إحصانها لانعقاد القذف عليه لوجوب الحد على القاذف ولو ادعى الملتقط أو غيره أنه عبده لا يسمع منه إلا ببينة ; لأن حريته ثابتة من حيث الظاهر فلا يقدر على إبطال هذا الظاهر إلا بدليل .
ولو بلغ فأقر أنه عبد فلان نظر في ذلك إن كان لم يجر عليه شيء من أحكام الأحرار بعد من قبول شهادته وضرب قاذفه الحد ونحوه صح إقراره ; لأنه لم تعرف حريته إلا بظاهر الحال فإذا أقر بالرق فالظاهر أنه لا يقر على نفسه بالرق كاذبا فصح إقراره إلا أنه لا يعتبر في إبطال ما يفعله من التصرفات من الهبة والكفالة والإعتاق والنكاح ونحوها من التصرفات التي لا يملكها العبد حتى لا تنفسخ ، وهذا عندنا وقال - رحمه الله - في أحد قوليه : ينفسخ . الشافعي
( وجه ) قوله أنه لما أقر بالرق فقد ظهر أنه كان رقيقا وقت التصرف فلم يصح تصرفه كما إذا قامت البينة على رقه ، ولنا أن هذا إقرار تضمن إبطال حق الغير ; لأن حريته ثابتة من حيث الظاهر فلا يصدق في حق ذلك الغير لما عرف أن الإقرار تصرف على نفس المقر فإذا تضمن إبطال حقه حق الغير كان دعوى أو شهادة على غيره من ذلك الوجه فيصدق على نفسه لا على غيره ، كمن أقر بحرية عبد إنسان ثم اشتراه عتق عليه ولا يرجع بالثمن على البائع لما قلنا كذا هذا .
والاستدلال بالبينة غير سديد ; لأن الشاهد غير متهم في شهادته على غيره ، فأما المقر في إقراره على غيره فمتهم فهو الفرق ، وإن كان قد أجري عليه شيء من ذلك لا يصح إقراره ; لأنه إذا أجري عليه شيء من أحكام الأحرار فقد ظهرت حريته عند الناس كافة فظهر أنه حر الأصل فلا يملك إبطالها بالإقرار بالرق وأما حاله في الإسلام والكفر فإن يكون مسلما حتى لو مات يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، وإن وجده مسلم في مصر من أمصار المسلمين أو في قرية من قراهم يكون ذميا تحكيما للظاهر كما وجده ذمي في بيعة أو كنيسة أو في قرية ليس فيها مسلم يكون ذميا . إذا وجده مسلم في بيعة أو كنيسة أو في قرية من قرى أهل الذمة
ولو يكون مسلما كذا ذكر في كتاب اللقيط من الأصل واعتبر المكان . وجده ذمي في مصر من أمصار المسلمين أوفي قرية من قراهم
وروى عن ابن سماعة أنه اعتبر حال الواجد من كونه مسلما أو ذميا ، وفي كتاب الدعوى اعتبر الإسلام إلى أيهما نسب إلى الواجد أو إلى المكان ، والصحيح رواية هذا الكتاب ; لأن الموجود في مكان هو في أيدي أهل الإسلام وتصرفهم في أيديهم ، واللقيط الذي هو في يد المسلم وتصرفه يكون مسلما ظاهرا ، والموجود في المكان الذي هو في أيدي أهل الذمة وتصرفهم في أيديهم واللقيط الذي هو في يد الذمي وتصرفه يكون ذميا ظاهرا ، فكان اعتبار المكان أولى فإن محمد يجبر على الإسلام ولكن لا يقتل ; لأنه لم يعرف إسلامه حقيقة وإنما حكم به تبعا للدار فلم تتحقق ردته فلا يقتل وأما حاله في النسب فهو أنه مجهول النسب حتى لو وجده مسلم في مصر من أمصار المسلمين فبلغ كافرا تصح دعوته ويثبت النسب منه لما علم في كتاب الدعوى . ادعى إنسان نسبة الملتقط أو عتقه