وأما حكم الهبة فالكلام فيه في ثلاث مواضع في بيان أصل الحكم وفي بيان صفته وفي بيان ما يرفع الحكم .
أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض لأن الهبة تمليك العين من غير عوض فكان حكمها ملك الموهوب من غير عوض .
وأما صفته فقد اختلف فيها قال أصحابنا هي ثبوت ملك غير لازم في الأصل وللواهب أن يرجع في هبته وإنما يثبت اللزوم ويمتنع الرجوع بأسباب عارضة وقال رحمه الله الثابت بالهبة ملك لازم في الأصل ولا يثبت الرجوع إلا في هبة الولد خاصة وهي هبة الوالد لولده فنقول يقع [ ص: 128 ] الكلام في هذا الفصل في مواضع في بيان الشافعي وفي بيان شرائط صحة الرجوع بعد ثبوت الحق وفي بيان العوارض المانعة من الرجوع وفي بيان ماهية الرجوع وحكمه شرعا . ثبوت حق الرجوع في الهبة
أما ثبوت حق الرجوع فحق الرجوع في الهبة ثابت عندنا خلافا رحمه الله احتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { للشافعي } وهذا نص في مسألة هبة الأجنبي والوالد وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا فيما يهب الوالد لولده } والعود في القيء حرام كذا في الهبة ولأن الأصل في العقود هو اللزوم والامتناع بعارض خلل في المقصود ولم يوجد لأن المقصود من الهبة اكتساب الصيت بإظهار الجود والسخاء لا طلب العوض فمن طلب منهما العوض فقد طلب من العقد ما لم يوضع له فلا يعتبر طلبه أصلا . العائد في هبته كالعائد في قيئه
( ولنا ) الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم أما الكتاب العزير فقوله تعالى { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } والتحية وإن كانت تستعمل في معان من السلام والثناء والهدية بالمال .
( قال القائل )
تحيتهم بيض الولاء بدينهم
لكن الثالث تفسير مراد بقرينة من نفس الآية الكريمة وهي قوله تعالى { أو ردوها } لأن الرد إنما يتحقق في الأعيان لا في الأعراض لأنه عبارة عن إعادة الشيء وذا لا يتصور في الأعراض والمشترك يتعين أحد وجوهه بالدليل وأما السنة فما روي عن رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } أي بعوض جعل عليه الصلاة والسلام الواهب أحق بهبته ما لم يصل إليه العوض وهذا نص في الباب وأما إجماع الصحابة فإنه روي عن سيدنا الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها وسيدنا عمر وسيدنا عثمان علي وعبد الله ابن سيدنا عمر وأبي الدرداء وفضالة بن عبيد وغيرهم رضي الله عنهم أنهم قالوا مثل مذهبنا ولم يرد عن غيرهم خلافه فيكون إجماعا .ولأن العوض المالي قد يكون مقصودا من هبة الأجانب فإن الإنسان قد يهب من الأجنبي إحسانا إليه وإنعاما عليه وقد يهب له طمعا في المكافأة والمجازاة عرفا وعادة فالموهوب له مندوب إلى ذلك شرعا قال الله تبارك وتعالى { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } وقال عليه الصلاة والسلام { } وقال عليه الصلاة والسلام { من اصطنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى يعلم أنكم قد كافأتموه } والتهادي تفاعل من الهدية فيقتضي الفعل من اثنين وقد لا يحصل هذا المقصود من الأجنبي وفوات المقصود من عقد محتمل للفسخ يمنع لزومه كالبيع لأنه يعدم الرضا والرضا في هذا الباب كما هو شرط الصحة فهو شرط اللزوم كما في البيع إذا وجد المشتري بالمبيع عيبا لم يلزمه العقد لعدم الرضا عند عدم حصول المقصود وهو السلامة كذا هذا . تهادوا تحابوا
وأما الحديث الأول فله تأويلان أحدهما أنه محمول على الرجوع بغير قضاء ولا رضاء وذلك لا يجوز عندنا إلا فيما وهب الوالد لولده فإنه يحل له أخذه من غير رضا الولد ولا قضاء القاضي إذا احتاج إليه للإنفاق على نفسه الثاني أنه محمول على نفي الحل من حيث المروءة والخلف لا من حيث الحكم لأن نفي الحل يحتمل ذلك قال الله تعالى عز وجل في رسولنا عليه الصلاة والسلام { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } قيل في بعض التأويلات لا يحل لك من حيث المروءة والخلف أن تتزوج عليهن بعد ما اخترن إياك والدار الآخرة على الدنيا وما فيها من الزينة لا من حيث الحكم إذا كان يحل له التزوج بغيرهن وهذا تأويل الحديث والآخر أن المراد منه التشبيه من حيث ظاهر القبح مروءة وطبيعة لا شريعة .
ألا ترى أنه قال عليه الصلاة والسلام في رواية أخرى { } وفعل الكلب لا يوصف بالحرمة الشرعية لكنه يوصف بالقبح الطبيعي كذا هذا وقوله فيما يهبه الوالد لولده محمول على أخذه مال ابنه عند الحاجة إليه لكنه سماه رجوعا لتصوره بصورة الرجوع مجازا وإن لم يكن رجوعا حقيقة على ما نذكره في تلك المسألة إن شاء الله تعالى . العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه