والمضارب يضمن وصار كأجنبي خلط المال . إذا خلط مال نفسه بمال المضاربة ، ولم يقل له : اعمل برأيك
ولو صبغ الثياب أجنبي ، كان للمالك الخيار إن شاء ضمنه قيمتها ، وإن شاء تركها على الشركة ، وتضاربا بثمنها على الشركة كذا هذا ، وإن كان قال له : اعمل برأيك فلا ضمان عليه ; لأنه إذا قال ذلك فله أن يخلط مال نفسه بمال المضاربة ، والصبغ على ملكه فلا يضمن بخلطه ، وصار المتاع بينهما ، فإذا بيع المتاع قسم الثمن على قيمة الثوب أبيض ، فما أصاب ذلك كان في المضاربة ، وما أصاب الصبغ كان للمضارب ، وإذا أذن للمضارب أن يستدين على مال المضاربة جاز له الاستدانة ، وما يستدينه يكون شركة بينهما شركة وجوه ، وكان المشترى بينهما نصفين ; لأنه لا يمكن أن يجعل المشترى بالدين مضاربة ; لأن المضاربة لا تجوز إلا في مال عين فتجعل شركة وجوه ، ويكون المشترى بينهما نصفين ; لأن مطلق الشركة يقتضي التساوي .
وسواء كان الربح بينهما في المضاربة نصفين أو أثلاثا ; لأن هذه شركة على حدة فلا يبنى على حكم المضاربة ، وقد بينا في كتاب الشركة أنه لا يجوز التفاضل في الربح في شركة الوجوه ، إلا بشرط التفاضل في الضمان ، فإن شرطا التفاضل في الضمان كان الربح كذلك ، وإن أطلقا كان المشترى نصفين ، لا يجوز فيه التفاضل في الربح ، وإذا صارت هذه شركة وجوه ، صار الثمن دينا عليهما من غير مضاربة ، فلا يملك المضارب أن يرهن به مال المضاربة ، إلا بإذن رب المال فإن أذن له أن يرهن بجميع الثمن ، فقد أعاره نصف الرهن ليرهن بدينه ، وإن هلك صار مضمونا عليه ، وليس له أن يقرض مال المضاربة ; لأن القرض تبرع في الحال ، إذ لا يقابله عوض للحال ، وإنما يصير مبادلة في الثاني ، ومال الغير لا يحتمل التبرع .
وكذلك الهبة والصدقة ; لأن كل واحد منهما تبرع ، ولا يأخذ سفتجة ; لأن أخذها استدانة وهو لا يملك الاستدانة ، وكذا لا يعطى سفتجة ; لأن إعطاء السفتجة إقراض وهو لا يملك الإقراض إلا بالتنصيص عليه ، هكذا قال ، عن محمد أنه قال : ليس له أن يقرض ، ولا أن يأخذ سفتجة ، حتى يأمره بذلك بعينه ، فيقول له : خذ السفاتج وأقرض إن أحببت فأما إذا قال له : اعمل في ذلك برأيك فإنما هذا على البيع والشراء والشركة والمضاربة وخلط المال وهذا قول أبي حنيفة ، وقولنا لما ذكرنا أن قوله : اعمل في ذلك برأيك تفويض الرأي إليه في المضاربة ، والتبرع ليس من عمل المضاربة ، وكذا الاستدانة بل هي عند الإذن شركة وجوه ، وهي عقد آخر وراء المضاربة ، وهو إنما فوض إليه الرأي في المفاوضة خاصة ، لا في عقد آخر لا تعلق له بها ، فلا يدخل في ذلك وليس أن يشتري بما لا يتغابن الناس في مثله ، وإن قال له : اعمل برأيك . أبي يوسف
ولو اشترى يصير مخالفا ; لأن المضاربة توكيل بالشراء ، والتوكيل بالشراء مطلقا ينصرف إلى المتعارف ، وهو أن يكون بمثل القيمة ، أو بما يتغابن الناس في مثله ، ولأن الشراء بما لا يتغابن في مثله محاباة ، والمحاباة تبرع ، والتبرع لا يدخل في عقد المضاربة .
وليس له أن يعتق على مال ; لأنه إزالة الملك عن الرقبة بدين في ذمة المفلس ، فكان في معنى التبرع ، ولأنه ليس بتجارة إذ التجارة مبادلة المال بالمال ، وهذا مبادلة العتق بالمال ، وليس له أن يكاتب ; لأن الكتابة ليست بتجارة ; لانعدام مبادلة المال بالمال ; لهذا لا يملكه المأذون له في التجارة ، وليس له أن يعتق عبدا من المضاربة إذا لم يكن في نفس العبد فضل عن رأس المال ، فإن أعتق لم ينفذ ; لأن العقد السابق لا يفيده ، ولأنه لا يملك الإعتاق على مال ، وفيه معنى المبادلة ، فالإعتاق بغير مال أولى ، ولا ملك للمضارب في العبد مما لا ينفذ إعتاقه .
وسواء كان في يد المضارب مال آخر سوى العبد ، أو لم يكن ; لأن العبد إذا كان بقدر رأس المال لا فضل فيه لم يتعين للمضارب فيه حق ; لأنه مشغول برأس المال ، بدليل أنه لو هلك ذلك المال يصير العبد رأس المال ، وإن كان في نفس العبد المعتق فضل عن رأس المال ، جاز إعتاقه في قدر حصته من الربح ; لأنه إذا كان قيمته أكثر من رأس [ ص: 93 ] المال ، فقد تعين للمضارب فيه ملك ، فينفذ إعتاقه في قدر نصيبه ، كعبد بين شريكين أعتقه أحدهما ، وكذلك إن كاتب عبدا من المضاربة ، أو أعتقه على مال ، ولم يكن فيه فضل أنه لم يجز ، وإن كان فيه فضل كان كعبد بين شريكين ، أعتقه أحدهما على مال ، فإذا قبل العبد عتق عليه نصيبه ، وكان رب المال بالخيار ، ولرب المال فسخ الكتابة قبل الأداء ; لأنه لا يتضرر به في الحال وفي الثاني أما في الحال ، فلا يمتنع عليه بيع نصيبه وهبته ما دام شيء منه فكذا هذا .
( وأما ) الثاني فلأنه لو أدى وعتق نفسه ، يفسد الباقي على رب المال ، فأكد دفع هذا الضرر بالفسخ ; لأن الكتابة قابلة للفسخ ، فله أن يفسخ ، كأحد الشريكين إذا باع حصته من بيت معين من دار مشتركة بينهما ، كان لشريكه نقض بيعه ، وإن باع ملك نفسه ، لما أن الشريك يتضرر بنفاذ هذا البيع ، فإنه متى أراد أن يقسم الدار يحتاج إلى قسمين ; قسمة البيت مع المشتري ، وقسمة بقية الدار مع الشريك الأول ، ويتضرر ، فكان له نقض البيع دفعا للضرر عنه ، فكذا هذا بخلاف ما إذا دبر المضارب نصيبه ، أو أعتق إنه ينفذ ، وإن كان يتضرر به رب المال ; لأن الضرر إنما يدفع إذا أمكن ، وهناك لا يمكن ; لأن التدبير والإعتاق تصرفان لا يحتملان الفسخ ، بخلاف الكتابة ، فإن أدى الكتابة قبل الفسخ عتق لوجود شرط العتق ، وهو الأداء ، إلا أن لرب المال أن يأخذ مما أداه المكاتب قدر حصته من المؤدى ; لأنه كسب عبد مشترك بينهما .
وكذلك إنه لا يجوز إعتاقه عند إذا كان رأس المال ألف درهم ، فاشترى بها المضارب عبدين قيمة كل واحد منهما ألف ، فأعتق أحدهما أصحابنا الثلاثة ، وعند يجوز إعتاقه في نصيبه منهما ; لأن رأس المال ليس إلا الألف ، فما زاد على ذلك يكون ربحا ، ويكون للمضارب فيه نصيب ، فينفذ إعتاقه في نصيبه . زفر
( ولنا ) أنه لم يتعين للمضارب ملك في أحد العبدين ; لأن كل واحد منهما يجوز أن يكون رأس المال ، والآخر ربحا ، فليس أحدهما بأن يجعل رأس المال والآخر ربحا ، أولى من القلب فيجعل كل واحد منهما كأن ليس معه غيره ، ولأن حق المضارب لا يتعين في الربح قبل تعين رأس المال ، ورأس المال لم يتعين إلا بتعيين ملك المضارب في الربح .
وكذلك إنه لا يجوز عتقه في واحد منهم ; لأنه لا يتعين للمضارب في واحد منهم ملك ; لأن كل واحد منهم يصلح أن يكون هو رأس المال ، فإذا لم يملك شيئا منهم لم ينفذ إعتاقه ، من مشايخنا من قال هذا على أصل لو كان في يد المضارب عشرون عبدا ، قيمة كل واحد منهم ألف درهم ورأس المال ألف درهم ، : أن العبيد والجواري لا يقسمون قسمة واحدة ، بل كل شخص يقسم على حدة ; لأن العبيد والجواري بمنزلة أجناس مختلفة من سائر الأموال ، ولا يتعين للمضارب ملك في الأجناس المختلفة من العروض ونحوها فأما على أصل أبي حنيفة أبي يوسف أنهم يقسمون قسمة واحدة بمنزلة الدواب ، فظهر الربح فينفذ إعتاقه في قدر نصيبه من الربح ، وقال بعض مشايخنا : إن هذا بالاتفاق ; لأن عندهما إنما يقسم القاضي قسمة واحدة إذا رأى القاضي ذلك ، فأما قبل ذلك فلا ، بل العبيد بمنزلة الأجناس المختلفة ; لهذا لا يصح التوكيل بشراء عبد بدون بيان الثمن بالاتفاق ، كالتوكيل بشراء ثوب ; لهذا لو كانت العبيد للخدمة بين اثنين ، لا تجب على أحدهما صدقة الفطر بسببهم في عامة الروايات . ومحمد
والأصل أن مال المضاربة إذا كان من جنس واحد ، وفيه فضل عن رأس المال ، إنه يضم بعضه إلى بعض ، ويتعين نصيب المضارب فيما زاد على رأس المال ، وإذا كان من جنسين مختلفين ، كل واحد منهما مثل رأس المال لا يضم أحدهما إلى الآخر ، فلا يتعين للمضارب في أحدهما ملك ; لاشتغال كل واحد منهما برأس المال ، وقد قالوا في هذه المسألة : إن رب المال لو أعتق العبيد نفذ إعتاقه في جميعهم ; لأنه إذا لم يتعين للمضارب في واحد منهم ملك ، نفذ على رب المال فإذا أعتقهم بلفظة واحدة عتقوا ، ويضمن حصة المضارب فيهم سواء كان موسرا أو معسرا .
( أما ) الضمان فلأن المضارب وإن لم يملك شيئا من العبيد ، فقد كان له حق أن يتملك ، وقد أفسده عليه رب المال فيضمن وإنما استوى فيه اليسار والإعسار ; لأنه أعتق الكل مباشرة ، ونفذ إعتاقه في الكل ، فصار متلفا المال عليه ، بخلاف ضمان العتق ; لأنه يعتق نصيب المعتق ابتداء ، ثم يسري إلى نصيب الشريك على أصل أبي يوسف ; لذلك اختلف فيه اليسار والإعسار ، وكذلك ومحمد إنه إن لم يكن فيه فضل لم تجز دعوته ، [ ص: 94 ] وإن كان فيه فضل جازت دعوته وعتق ; لأن هذه دعوة تحرير ، وإنها مبنية على الملك ، فإذا لم يكن فيه فضل فازدادت قيمة رأس المال بعد ذلك ، فظهر فيه فضل ، جازت دعوته وعتق عليه ، وكان كعبد بين اثنين عتق على أحدهما نصيبه بغير فعله ، بأن ورث نصيبه ، وإنما كان كذلك ; لأنه لما ادعى النسب ولا ملك له في الحال ، كانت دعوته موقوفة على الملك فإذا ازدادت قيمته فقد ملك جزءا منه فنفذت دعوته فيه ، كمن ادعى النسب في ملك غيره ثم ملك إنه تنفذ دعوته ، بخلاف ما إذا أعتقه ثم ازدادت قيمته ، إنه لا ينفذ إعتاقه ; لأن إنشاء الإعتاق في ملك الغير لا يتوقف ، كمن أعتق ملك غيره ثم ملكه ، ولا ضمان على المضارب في ذلك ; لأن العبد عتق من غير صنعه ; لأنه عتق بزيادة القيمة ، والعبد المشترك إذا عتق على أحد الشريكين بغير فعله ، لا يضمن للشريك شيئا لو اشترى المضارب عبدا من مال المضاربة ، فادعى أنه ابنه لا يكون ولده ، ولا تكون الأم أم ولد له ; لأنه ليس لأحدهما فضل على رأس المال هكذا ذكر ولو اشترى أمة قيمتها ألف ، ورأس المال ألف ، فولدت ولدا يساوي ألفا ، فادعى الولد ، وذكر الكرخي رحمه الله أن هذا محمول على أنها علقت قبل أن يشتريها ، فأما إذا كان العلوق بعد الشراء فحكم المسألة يتغير ; لأن المضارب يغرم العقر مائة ، فإذا استوفاها رب المال منه جعل المستوفى من رأس المال ، فينتقص رأس المال وصار تسعمائة ، فيتعين للمضارب ملك فيهما جميعا ، فنفذت دعوته ويثبت النسب ، وإذا ثبت النسب ضمن المضارب من قيمة الأم سبعمائة ، حتى يستوفي رب المال تمام رأس ماله ، ثم يغرم خمسين درهما وهو تمام ما بقي من الأم ، فظهر أن الولد ربح بينهما فيعتق نصف الولد من المضاربة ، ويسعى في النصف لرب المال قال القدوري : إن هذا الجواب هو الصحيح وذكر عيسى بن أبان في الأصل مسألة أخرى طعن فيها محمد ، وهو ما عيسى لم يثبت نسبه ويغرم العقر ، فإن زادت قيمة الولد حتى صارت ألفين يثبت النسب من المضارب ; لأنه ملك بعضه لظهور الربح في الولد بزيادة قيمته ، فيعتق ربعه عليه ، ولا ضمان عليه ; لأنه عتق بزيادة القيمة ، ولا صنع له فيها ، ويسعى العبد في ثلاثة أرباع قيمته لرب المال ، والجارية على حالها لم تصر أم ولد للمضارب ما لم يستوف رب المال العقر والسعاية ; لأن المضارب لا يظهر له الربح في الجارية حتى يصل إلى رب المال شيء من المال ، فلا يملك شيئا منها ولا صحة للاستيلاد بدون الملك ولو لم تزد قيمة الولد ، ولكن زادت قيمة الأم فصارت ألفين ، فإن الجارية أم ولد له لظهور الربح فيها بزيادة قيمتها ، وعلى المضارب ثلاثة أرباع قيمتها لرب المال ، وإن لم يكن له صنع فيها ; لأن ضمانها ضمان تملك ; لهذا استوى فيه اليسار والإعسار فيستوي أن يكون بفعله ، أو من طريق الحكم ولا يثبت نسب الولد من المضارب ; لأنه لم يملك من الولد شيئا ما لم يأخذ رب المال شيئا من رأس ماله ولو زادت قيمتهما جميعا فصارت قيمة كل واحد منهما ألف درهم ، يثبت نسب الولد وتصير الجارية أم ولد له ; لأنه ملك بعض كل واحد منهما ; لأنه ظهر الفضل في كل واحد منهما بزيادة قيمته ، ويضمن المضارب لرب المال تمام قيمة الجارية ألفي درهم ، وعقر مائة درهم ، فظهر أن رب المال استوفى رأس ماله ، واستوفى من الربح ألفا ومائة ، وللمضارب أن يستوفي من ربح الولد مقدار ألف ومائة فعتق الولد منه بذلك المقدار ، وبقي من الولد مقدار تسعمائة ربح بينهما ; لأن لكل واحد منهما أربعمائة وخمسين ، فما أصاب المضارب عتق وما أصاب رب المال سعى فيه الولد قال إذا اشترى جارية بألف درهم تساوي ألفا ، فولدت ولدا يساوي ألفا ، فادعاه المضارب ، : هذا الجواب خطأ ، والصحيح أن يقال : يضمن المضارب من الأم ثلاثة أرباع قيمتها ونصف العقر ، وبقي الولد ربحا بينهما ، يسعى في نصف قيمته لرب المال ويسقط عنه النصف بحصة المضارب قال عيسى رحمه الله : هذا الذي ذكره القدوري هو جواب عيسى في المسألة التي قدمناها ، إذا لم تزد قيمة كل واحد منهما ، وعلى قياس ما قال محمد في المسألة ، الزيادة تجب أن يقول : إذا لم تزد قيمتها ينبغي أن يغرم المضارب ألفا ومائة ، ثم يستوفي المضارب من الولد مائة ، وبقي تسعمائة بينهما فمن أصحابنا من قال : القياس ما أجاب به في المسألة التي لم تزد القيمة فيها ، ووجهه أن المضارب لا يغرم بعد ما غرم تمام رأس ماله ، إلا نصف ما بقي من الأم ; لأن نصف ما بقي من الأم ربح بينهما ، فلا يجوز أن يغرم الكل ، والذي أجاب به في مسألة الزيادة هو الاستحسان ; لأن في غرم تمام قيمة الجارية تكثير العتق ، والعتق والرق إذا اجتمعا غلبت الحرية [ ص: 95 ] الرق ومن أصحابنا من قال : إنما افترقت المسألتان لوصفهما ; لأن سبب العتق في مسألة الزيادة زيادة قيمة الولد وفي المسألة الأخرى سبب العتق قبض رب المال العقر ، فلما شارك رب المال المضارب في سبب عتقه أن يجتمع ربحه في الجارية . محمد
( وأما ) في المسألة الأخرى لما كان عتقه بسبب الزيادة ، صرف نصيب رب المال إلى الجارية ; لأن المضارب قد ملكها وقد قيل أيضا : إن في تلك المسألة إنما قصد تكثير العتق ، وفي المسألة الأخرى إذا لم تزد القيمة لا يتبين تكثير العتق ; لأن الفضل فيما بينهما مقدار نصف العشر ، فلا يتبين بذلك المقدار تكثير العتق ، وقد قالوا في ثبت النسب وعتق الولد ، وصارت الجارية أم ولد له ، وانتقضت المضاربة ، ولا ضمان عليه ; لأن دعوته صادفت ملكه ، فثبت النسب واستندت الدعوة إلى وقت العلوق ، ولا قيمة للولد في ذلك الوقت ، ولا فضل في المال ، فلا تجب عليه القيمة ، ولا العقر ; لأنه وطئ ملك نفسه ، وليس له أن يزوج عبدا ولا أمة من مال المضاربة في قول المضارب : إذا اشترى جارية بألف فولدت ولدا يساوي ألفا ، فادعاه رب المال أبي حنيفة عليهما الرحمة . ومحمد
وعند رحمه الله : يزوج الأمة ولا يزوج العبد وقد ذكرنا المسألة في موضع آخر وروى أبي يوسف ابن رستم عن أنه ليس له أن يزوج أمة من المضاربة ; لأنه لا يملك أن يشتري شيئا من مال المضاربة لنفسه ، فلا يملك أن يعقد على جارية المضاربة لنفسه ، فإن تزوج بإذن رب المال فهو جائز ، إذا لم يكن في المال ربح وقد خرجت من المضاربة أما الجواز فلأنه إذا لم يكن في المال ربح لم يكن للمضارب فيها ملك ، وإنما له حق التصرف ، وأنه لا يمنع النكاح كالعبد المأذون . محمد
( وأما ) خروج الأمة عن المضاربة ، فلأن العادة أن من تزوج أمة حصنها ومنعها من الخروج والبروز ، والمضاربة تقتضي العرض على البيع وإبرازها للمشتري ، وكان اتفاقهما على التزويج إخراجا إياها عن المضاربة ، ويحسب مقدار قيمتها من رأس المال ; لأنه لما أخرجها من المضاربة صار كأنه استرد ذلك القدر من رأس المال ، وقد قال عن الحسن بن زياد : إن المضارب لا يملك أن يزوج أمة من المضاربة لعبد من المضاربة ; لأن تصرف المضارب يختص بالتجارة ، والتزويج ليس من التجارة . أبي حنيفة
وذكر رحمه الله وقال : ينبغي أن يكون هذا قولهم ; لأن عند القدوري : إن كان يملك تزويج الأمة ، لا يملك تزويج العبد . أبي يوسف
ولو أخذ المضارب نخلا أو شجرا أو رطبة معاملة على أن ينفق المال ، لم يجز على رب المال ، وإن كان قال له رب المال حين دفع إليه : اعمل فيه برأيك ; لأن الأخذ منه معاملة عقد على منافع نفسه ، ومنافع نفس المضارب لا تدخل تحت عقد المضاربة ، فصار كما لو أجر نفسه للخدمة ، ولا يعتبر ما شرط من الإنفاق ; لأن ذلك ليس بمعقود عليه ، بل هو تابع للعمل ، كالخيط في إجارة الخياط والصبغ في الصباغة .
وكذا لا يعتبر قوله : اعمل برأيك لما ذكرنا أن ذلك يفيد تفويض الرأي إليه في المضاربة ، والمضاربة تصرف في المال ، وهذا عقد على منافع نفسه ، ومنافع نفس المضارب لا يجوز أن يستحق بدلها رب المال ولو أخذ أرضا مزارعة على أن يزرعها ، فما خرج من ذلك كان نصفين ، فاشترى طعاما ببعض المزارعة فزرعه ، قال : هذا يجوز إن قال له : اعمل برأيك وإن لم يكن قال له : اعمل برأيك لم يجز ; لأنه يوجب حقا لرب الأرض في مال رب المال ، فيصير كأنه شاركه بمال المضاربة وإنه لا يملك الإشراك بإطلاق العقد ما لم يقل : اعمل برأيك فإذا قال : ملك كذا هذا . محمد
وقال : إن الأرض والبذر والبقر إذا كان من قبل رب الأرض ، والعمل على المضارب ، لم يكن ذلك على المضاربة بل يكون للمضارب خاصة ، لما ذكرنا أنه عقد على منافع نفسه ، فكان له بدل منافع نفسه ، فلا يستحقه رب المال ، وكذلك إذا شرط البقر على المضارب ; لأن العقد وقع على منفعته ، وإنما البقر آلة العمل ، والآلة تبع ما لم يقع عليها العقد ولو دفع المضارب أيضا بغير بذر مزارعة جازت ، سواء قال : اعمل برأيك أو لم يقل ; لأنه لم يوجب شركة في مال رب المال ، إنما أجر أرضه ، والإجارة داخلة تحت عقد المضاربة والله عز وجل أعلم . الحسن بن زياد