وذكر في كتاب الرهن إذا محمد ، لم يجز وكان ضامنا للرهن ولو ارتهن بدين لهما أداناه وقبض ، لم يجز على شريكه وذلك محمول على ما إذا رهن أحدهما بدين عليهما وجب بعقدهما ; لأن الرهن إيفاء ، وكل واحد منهما لا يملك أن يوفي دين الآخر من ماله إلا بأمره ، فلا يملك الرهن والارتهان ، واستيفاء أحدهما لا يملك استيفاء ثمن ما عقده شريكه لنفسه ، فلا يملك ارتهانه ، فإن هلك في يده وقيمته والدين سواء ، ذهب بحصته ; لأنه قبض الرهن بعقد فاسد ، والرهن الفاسد يكون مضمونا كالصحيح ، فكان مستوفيا حصته من الدين ; لأنه كان يملك استيفاء حصته من الدين قبل الارتهان وإن وليه غيره ، فإذا ارتهنه بجميع ذلك صار مستوفيا لجميع الدين ، فيصير مستوفيا حصته صورة ، فذهب الرهن بحصته ، وشريكه بالخيار إن شاء رجع بحصته على المطلوب ، ويرجع المطلوب بنصف قيمة الرهن على المرتهن ، وإن شاء ضمن شريكه حصته من الدين ; لأن قبض الرهن قبض استيفاء الدين ، فإذا هلك في يده تقرر استيفاء كل الدين ، ومن رهن أحدهما متاعا من الشركة بدين عليها ; كان لشريكه أن يرجع على الغريم بحصته ، ويرجع الغريم على القابض بما قبضه ; لأنه إنما سلم إليه ليملك ما في ذمته بما سلم ، ولم يملك ، فكان له أن يرجع ، كذا هنا ، للمطلوب أن يرجع بنصف قيمة الرهن على المرتهن ، وإن شاء الشريك رجع عليه بنصف دينه ; لما ذكرنا أن أحد الشريكين إذا استوفى الدين المشترك كله ، كان للشريك الآخر أن يرجع عليه بنصيبه ، وطريق ذلك أن نصف المقبوض وقع للقابض ولشريكه أن يشاركه فيه ، ومتى شاركه فيه ، فللقابض أن يرجع على المطلوب بذلك ، ثم يشاركه في ذلك أيضا ، هكذا يستوفي هو ويشاركه الآخر إلى أن يستوفيا الدين ، طعن استوفى كل الدين المشترك بغير إذن شريكه في هذه المسألة وقال : يجب أن لا يضمن الشريك نصيب شريكه ; لأن عيسى بن أبان قال : محمدا فإن أجازه جاز وإن لم يجزه فلا ضمان علي فأعطاه وهلك الرهن في يده لم يضمن ، وهذا الطعن في غير موضعه لأن ذلك الرجل جعل الرهن في يد العدل ; لأنه لما أخذ رهنا لغيره ، وشرط أن لا ضمان عليه ، فقد صار عدلا ، وهلاك الرهن في يد العدل لا يوجب الضمان ; لأن قبضه ليس بقبض استيفاء ، وههنا إنما قبضه للاستيفاء ، والرهن المقبوض للاستيفاء مضمون ، فلم يصح الطعن ، وله أن يحتال لأن الحوالة من أعمال التجارة ; لأن التاجر يحتاج إليها لاختلاف الناس في الملاءة والإفلاس وكون بعضهم أملأ من بعض ، وفي العادة يختار الأملأ فالأملأ ، فكانت الحوالة وسيلة إلى الاستيفاء فكانت في معنى الرهن في التوثق للاستيفاء ; ولأن الاحتيال تمليك ما في الذمة بمثله ; فيجوز كالصرف ، وحقوق عقد تولاه أحدهما ترجع إلى العاقد حتى لو باع أحدهما لم يكن للآخر أن يقبض شيئا من الثمن ، وكذلك كل دين لزم إنسانا بعقد وليه أحدهما ليس للآخر قبضه ، وللمديون أن يمتنع من دفعه إليه كالمشتري من الوكيل بالبيع له أن يمتنع عن دفع الثمن إلى الموكل لأن القبض من حقوق العقد ، وحقوق العقد تعود إلى العاقد ; لأن المديون لم يلتزم الحقوق للمالك ، وإنما التزمها العاقد ، فلا يلزمه ما لم يلتزمه إلا بتوكيل العاقد ، فإن دفع إلى الشريك من غير توكيل برئ من حصته ، ولم يبرأ من حصة الدائن وهذا استحسان ، والقياس أن لا يبرأ الدافع . لو قال رجل لرجل : أعطني رهنا بدين فلان الذي عليك
( وجه ) القياس أن حقوق العقد لا تتعلق بالقابض بل هو أجنبي عنها وإنما تتعلق بالعاقد ، فكان الدافع إلى القابض بغير حق ، فلا يبرأ .
( وجه ) الاستحسان أنه لا فائدة في نقض هذا القبض إذ لو نقضناه لاحتجنا إلى إعادته لأن المديون يلزمه دفعه إلى العاقد ، والعاقد يرد حصة الشريك إليه ، فلا يفيد القبض ثم الإعادة في الحال ، وهذا على القياس والاستحسان في الوكيل بالبيع إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكل من غير إذن الوكيل لا يطالب الشريك بتسليم المبيع لما قلنا ، وليس [ ص: 71 ] لأحدهما أن يخاصم فيما أدانه الآخر أو باعه ، وعليه ليس على الذي لم يل من ذلك شيء ، فلا يسمع عليه بينة فيه ولا يستحلف وهو والأجنبي في هذا سواء ; لأن الخصومة من حقوق العقد ، وحقوق العقد تتعلق بالعاقد ولو اشترى أحدهما شيئا لا يطالب الآخر بالثمن ، وليس للشريك قبض المبيع لما قلنا ، وللعاقد أن يوكل وكيلا بقبض الثمن والمبيع فيما اشترى وباع لما ذكرنا فيما تقدم ، ولأحدهما أن يقايل فيما باعه الآخر لأن الإقالة فيها معنى الشراء وأنه يملك الشراء على الشركة ، فيملك الإقالة وما باعه أحدهما أو اشترى فظهر عيب لا يرد الآخر بالعيب ولا يرد عليه لأن الرد بالعيب من حقوق العقد ، وإنها ترجع إلى العاقد والرجوع بالثمن عند استحقاق المبيع على البائع ; لأنه العاقد فإن أقر أحدهما بعيبه في متاع جاز إقراره عليه وعلى صاحبه قال والخصومة للذي باع : وهذا قياس قول الكرخي أبي حنيفة وزفر رحمهم الله وفرق بين هذا وبين الوكيل إذا أقر بالعيب فرد القاضي المبيع عليه أنه لا ينفذ إقراره على الموكل حتى يثبت ، بالبينة ; لأن موجب الإقرار بالعيب ثبوت حق الرد عليه ولأحد الشريكين أن يقايل فيما باعه الآخر لأن الإقالة فيها معنى الشراء وأنه يملك الشراء إلى أن يسترد المبيع ويقبل العقد ، والوكيل لا يملك ذلك فإن وأبي يوسف جاز عليهما ; لأن قبول المبيع بالتراضي من غير قضاء بمنزلة شراء مبتدإ بالتعاطي ، وكل واحد منهما يملك أن يشتري ما باعه على الشركة وكذا القبول من غير قضاء القاضي بمنزلة الإقالة ، وإقالة أحدهما تنفذ على الآخر ، وكذا لو حط من ثمنه أو أخر ثمنه لأجل العيب ، فهو جائز ; لأن العيب يوجب الرد ومن الجائز أن يكون الصلح والحط أنفع من الرد ، فكان له ذلك وإن حط من غير علة أو أمر يخاف منه جاز في حصته ولم يجز في حصة صاحبه ; لأن الحط من غير عيب تبرع ، والإنسان يملك التبرع من مال نفسه لا من مال غيره ، وكذلك لو وهب ; لأن الهبة تبرع ولكل واحد منهما أن يبيع ما اشتراه ، وما اشترى صاحبه مرابحة على ما اشترياه ; لأن كل واحد منهما وكيل لصاحبه بالشراء والبيع ، والوكيل بالبيع يملك البيع مرابحة باع أحدهما متاعا من الشركة ، فرد عليه فقبله بغير قضاء القاضي ذكر وهل لأحدهما أن يسافر بالمال من غير رضا صاحبه ؟ أنه ليس له ذلك والصحيح من قول الكرخي أبي يوسف أن له ذلك وكذا المضارب والمبضع والمودع لهم أن يسافروا . ومحمد
وروي عن رحمه الله أنه ليس للشريك والمضارب أن يسافر وهو قول أبي حنيفة ، وروي عن أبي يوسف أن له المسافرة إلى موضع لا يبيت عن منزله ، وروي عنه يسافر أيضا بما لا حمل له ولا مؤنة ولا يسافر بما له حمل ومؤنة . أبي يوسف
( وجه ) ظاهر قول أن السفر له خطر ، فلا يجوز في ملك الغير إلا بإذنه . أبي يوسف
( وجه ) الرواية التي فرق فيها بين القريب والبعيد ، أنه إذا كان قريبا بحيث لا يبيت عن منزله ، كان في حكم المصر .
( وجه ) الرواية التي فرق فيها بين ما له حمل ومؤنة ، وما ليس له حمل ومؤنة ، أن ما له حمل إذا احتاج شريكه إلى رده ، يلزمه مؤنة الرد فيتضرر به ، ولا مؤنة تلزمه فيما لا حمل له .
( وجه ) قول أبي حنيفة أن الإذن بالتصرف يثبت مقتضى الشركة ، وأنها صدرت مطلقة عن المكان ، والمطلق يجري على إطلاقه إلا لدليل ، ولهذا جاز للمودع أن يسافر ، على أنه في معنى المودع ; لأنه مؤتمن في مال الشركة كالمودع في مال الوديعة مع ما أن الشريك يملك أمرا زائدا لا يملكه المودع ، وهو التصرف ، فلما ملك المودع السفر ; فلأن يملكه الشريك أولى وقول ومحمد إن المسافرة بالمال مخاطرة به ، مسلم ، إذا كان الطريق مخوفا ( فأما ) إذا كان آمنا ، فلا خطر فيه بل هو مباح ; لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالابتغاء في الأرض من فضل الله ، ورفع الجناح عنه بقوله تعالى عز شأنه { أبي يوسف فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } ، وقال عز شأنه { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } مطلقا من غير فصل وما ذكر من لزوم مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة ، فلا يعد ذلك غرامة في عادة التجار ; لأن كل مؤنة تلزم تلحق برأس المال ، هذا إذا لم يقل كل واحد منهما لصاحبه : اعمل في ذلك برأيك ، فأما إذا قال ذلك ، فإنه يجوز لكل واحد منهما المسافرة والمضاربة والمشاركة ، وخلط مال الشركة بمال له خاصة ، والرهن والارتهان مطلقا ; لأنه فوض الرأي إليه في التصرف الذي اشتملت عليه الشركة مطلقا ، وإذاعلى الرواية الصحيحة عن سافر أحدهما بالمال ، وقد أذن له بالسفر ، أو قيل له : اعمل برأيك ، أو عند إطلاق الشركة أبي حنيفة فله أن ينفق من جملة المال على نفسه في [ ص: 72 ] كرائه ونفقته وطعامه وإدامه من رأس المال ، روى ذلك ومحمد الحسن عن وقال أبي حنيفة وهذا استحسان ، والقياس أن لا يكون له ذلك ; لأن الإنفاق من مال الغير ، لا يجوز إلا بإذنه نصا . محمد
( وجه ) الاستحسان العرف والعادة ; لأن عادة التجار الإنفاق من مال الشركة ، والمعروف كالمشروط ; ولأن الظاهر هو التراضي بذلك ; لأن الظاهر أن الإنسان لا يسافر بمال الشركة ، ويلتزم النفقة من مال نفسه لربح يحتمل أن يكون ويحتمل أن لا يكون ; لأنه التزام ضرر للحال لنفع يحتمل أن يكون ويحتمل أن لا يكون فكان إقدامهما على عقد الشركة دليلا على التراضي بالنفقة من مال الشركة ، ولأن كل واحد منهما في مال صاحبه كالمضارب ; لأن ما يحصل من الربح فهو فرع جميع المال ، وهو يستحق نصف الربح شائعا كالمضارب ، فتكون النفقة من جميع المال كالمضارب إذا سافر بمال نفسه وبمال المضاربة ، كانت نفقته في جميع ذلك ، كذا هذا وقال : فإن ربحت حسبت النفقة من الربح وإن لم يربح كانت النفقة من رأس المال ; لأن النفقة جزء تالف من المال ، فإن كان هناك ربح فهو منه ، وإلا فهو من الأصل كالمضارب ، محمد ، لا يلزم صاحبه ، لما ذكرنا أنه يصير مستدينا على مال الشركة ، وصاحبه لم يأذن له بالاستدانة ، وليس لأحدهما أن يهب ، ولا أن يقرض على شريكه ; لأن كل واحد منهما تبرع . وما اشتراه أحدهما بغير مال الشركة
( أما ) الهبة فلا شك فيها .
( وأما ) القرض ; فلأنه لا عوض له في الحال ، فكان تبرعا في الحال ، وهو لا يملك التبرع على شريكه ، وسواء قال : اعمل برأيك ، أو لم يقل إلا أن ينص عليه بعينه ; لأن قوله اعمل برأيك تفويض الرأي إليه فيما هو من التجارة ، وهذا ليس من التجارة ولو استقرض مالا لزمهما جميعا ; لأنه تملك مال بالعقد ، فكان كالصرف ، فيثبت في حقه وحق شريكه ; ولأنه إن كان الاستقراض استعارة في الحال ، فهو يملك الاستعارة ، وإن كان تملكا يملكه أيضا ، وليس له أن يكاتب عبدا من تجارتهما ، ولا أن يعتق على مال ; لأن الشركة تنعقد على التجارة ، والكتابة والإعتاق ليسا من التجارة ، ألا ترى أنه لا يملكهما المأذون في التجارة ، وسواء قال : اعمل برأيك ، أو لا ; لما قلنا وليس له أن يزوج عبدا من تجارتهما ، في قولهم جميعا ; لأنه ليس من التجارة وهو ضرر محض ، فلا يملكه إلا بإذن نصا ، وكذلك تزويج الأمة في قول أبي حنيفة ; لأنه ليس من التجارة ، ويجوز عند ومحمد ، والمسألة تقدمت في كتاب النكاح . أبي يوسف
ولو لم يجز على صاحبه لأن الإقرار حجة قاصرة ، فلا يصدق في إيجاب الحق على شريكه بخلاف المفاوضة ; لأن الجواز في المفاوضة بحكم الكفالة لا بالإقرار ، وهذه الشركة لا تتضمن الكفالة ولو أقر بجارية في يده من تجارتهما ، أنها لرجل لم يجز إقراره في نصيب شريكه ، وجاز في نصيبه ، لما ذكرنا أقر بدين ; لأنه في حق غيره شهادة ، وسواء كان قال له : اعمل برأيك أو لا ; لأن هذا القول يفيد العموم فيما تتضمنه الشركة ، والشركة لم تتضمن الإقرار ، أن إقرار الإنسان ينفذ على نفسه لا على غيره ، فلا ضمان عليه في نصيب شريكه ، فيقبل قول كل واحد من الشريكين على صاحبه في ضياع المال مع يمينه ; لأنه أمين والله عز وجل أعلم . وما ضاع من مال الشريك في يد أحدهما