( وأما ) فأما المفاوضة منها ( فمن ) شرائطها أهلية الكفالة ( ومنها ) التساوي في الأجر ( ومنها ) مراعاة لفظ المفاوضة لما ذكرنا في الشركة بالأموال ، أما العنان منها فلا يشترط لها شيء من ذلك وإنما تشترط أهلية التوكيل فقط ، كذا روى الشركة بالأعمال عن أبو يوسف رحمهما الله أنه قال : ما تجوز فيه الوكالة تجوز فيه الشركة ، وما لا تجوز فيه الوكالة لا تجوز فيه الشركة ، وعلى هذا تخرج أبي حنيفة وما يكون في الجبال من الثمار وما يكون في الأرض من المعادن وما أشبه ذلك بأن اشتركا على أن يصيدا أو يحتطبا أو يحتشا أو يستقيا الماء ويبيعانه على أن ما أصاب من ذلك فهو بينهما ، أن الشركة فاسدة ; لأن الوكالة لا تنعقد على هذا الوجه ألا ترى أنه لو وكل رجلا ليعمل له شيئا من ذلك لا تصح الوكالة ؟ كذا الشركة ، فإن تشاركا فأخذ كل واحد منهما شيئا من ذلك منفردا كان المأخوذ ملكا له ; لأن سبب ثبوت الملك في المباحات الأخذ والاستيلاء ، وكل واحد منهما انفرد بالأخذ والاستيلاء فينفرد بالملك ، وإن أخذاه جميعا معا كان المأخوذ بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق ، فإن أخذ كل واحد منهما على الانفراد ثم خلطاه وباعاه ، فإن كان مما يكال أو يوزن يقسم الثمن بينهما على قدر الكيل والوزن ، وإن كان مما لا يكال ولا يوزن قسم الثمن بينهما بالقيمة ، يضرب كل واحد منهما بقيمة الذي له ; لأن المكيل والموزون من الأشياء المتماثلة فتمكن قسمة الثمن بينهما على قدر الكيل والوزن فأما غير المكيل والموزون من الأشياء المتفاوتة فلا يمكن قسمة الثمن على عينها ، فيقسم على قيمتها وإن لم يعلم الكيل والوزن والقيمة ; يصدق كل واحد منهما فيما يدعيه إلى النصف من ذلك مع اليمين على دعوى صاحبه ; لأن الشيء في أيديهما ، واليد دليل الملك من حيث الظاهر والتساوي في دليل الملك يوجب التساوي في الملك ، فإن ادعى أكثر من النصف لا يقبل قوله إلا ببينة فإن عمل أحدهما وأعانه الآخر في عمله بالجمع والربط فذلك كله للعامل ولا شيء للمعين لوجود السبب من العامل دون المعين ، وللمعين أجر مثله لا يجاوز به قدر المسمى له من النصف والثلث ونحو ذلك في قول الشركة بالأعمال في المباحات من الصيد والحطب والحشيش في البراري ، وقال أبي يوسف له أجر مثله بالغا ما بلغ . محمد
( أما ) وجوب أجر المثل للمعين ; فلأنه استوفى منفعته بعقد فاسد ، وأنه يوجب أجر المثل ثم قال لا يجاوز به قيمة ما سمى وقاسه على سائر الإجارات الفاسدة ; لأنه لا يزاد على المسمى هناك ، كذا هذا هنا والجامع بينهما أنه رضي بأنه لا يكون له زيادة على المسمى فلا يستحق وصار كمن قال لرجل : بع هذا الثوب على أن لك نصف ثمنه فباعه كان له أجر المثل لا يجاوز به نصف الثمن كذا هذا وفرق أبو يوسف بين هذا وبين سائر [ ص: 64 ] الإجارات الفاسدة ، بأن المسمى هناك قدر معلوم من الأجرة فكان الرضا به إسقاطا لما زاد عليه والمسمى هنا ليس بمعلوم بل هو معدوم ; لأنه ما سمى إلا نصف الحطب أو ثلثه ، والرضا بغير المعلوم لا يتحقق ، فلم تكن هذه التسمية مسقطة الزيادة على المسمى من أجر مثله ، وعلى هذا الاختلاف المضاربة الفاسدة إذا ربح المضارب فيها أن له أجر مثله لا يتجاوز به المسمى من الربح في قول محمد وإن لم يكن له ربح فلا شيء له ، وعند أبي يوسف له أجر مثله بالغا ما بلغ ربح أو لم يربح ، وستأتي المسألة في كتاب المضاربة . محمد
ولو أن رجلا أجلس في دكانه رجلا يطرح عليه العمل بالنصف ، فالقياس أن لا تجوز هذه الشركة لأنها شركة العروض ; لأن من أحدهما العمل ومن الآخر الحانوت ، والحانوت من العروض ، وشركة العروض غير جائزة ، وفي الاستحسان جائزة ; لأن هذه شركة الأعمال ; لأنها شركة التقبل ، وتقبل العمل من صاحب الحانوت عمل ، وشركة الأعمال جائزة بلا خلاف بين أصحابنا ; لأن مبناها على الوكالة والوكالة على هذا الوجه جائزة ، بأن يوكل خياط أو قصار وكيلا يتقبل له عمل الخياطة والقصارة ، وكذا يجوز لكل صانع يعمل بأجر أن يوكل وكيلا يتقبل العمل فإن كان لهما كلب فأرسلاه جميعا كان ما أصاب بينهما لاستوائهما في سبب الاستحقاق .
ولو كان الكلب لأحدهما وكان في يده فأرسلاه جميعا فما أصاب الكلب فهو لصاحبه خاصة ; لأن إرسال الأجنبي لا عبرة به مع إرسال المالك فكان ملحقا بالعدم كأن المالك أرسله وحده ، وإن كان لكل واحد منهما كلب فأرسل كل واحد منهما كلبه فأصابا صيدا واحدا كان بينهما نصفين ; لأنهما تساويا في سبب الاستحقاق وإن أصاب كلب كل واحد منهما صيدا على حدة كان له خاصة ; لأنه ملكه بفعله فاختص به ، وعلى هذا يخرج ما إذا اشترك رجلان ولأحدهما بغل وللآخر بعير على أن يؤاجرا ذلك فما رزق الله تعالى من شيء فهو بينهما فآجراهما بأجر معلوم في عمل معلوم وحمل معلوم إن هذه الشركة فاسدة ويقسم الأجر بينهما على مثل أجر البغل ومثل أجر البعير ، أما فساد الشركة فلأن الوكالة على هذا الوجه لا تصح .
ألا ترى أن من قال لآخر : أجر بعيرك على أن تكون الأجرة بيننا ; لا تصح الوكالة كذا الشركة ; ولأن الشركة لا تصح في أعيان الحيوان فكذا في منافعها .
وأما قسمة الأجر بينهما على مثل أجر البغل ومثل أجر البعير ; فلأن الشركة إذا فسدت فالإجارة صحيحة لأنها وقعت على منافع معلومة ببدل معلوم ومن حكم الأجرة أن تقسم على قيمة المنافع كما يقسم الثمن على قيمة المبيعين المختلفين ، وإن لم يؤاجرا البغل والبعير ولكنهما تقبلا حمولة معلومة ببدل معلوم فحملا الحمولة على ذلك ، فالأجر بينهما نصفين لأن هذه شركة العمل ; لأن الحمل صار مضمونا عليهما بالعقد بمنزلة عمل الخياطة والقصارة ، فكان البدل بينهما على قدر الضمان وقد تساويا في الضمان فيتساويا في الأجرة ، ولا عبرة بزيادة حمل البعير على البغل كما لا عبرة بكثرة عمل أحد الشريكين في شركة الصنائع ; لأن البدل يقابل الضمان ، والبغل والبعير هنا آلة إيفاء العمل ولو آجر البعير بعينه ، كانت أجرته لصاحبه لا لصاحب البغل ، وكذا إذا آجر البغل بعينه ; كانت الأجرة لصاحب البغل لا لصاحب البعير ; لأن العقد وقع على منافع البعير والبغل بإذن مالكهما ، فكانت الأجرة له ، فإن كان الآجر أعانه على الحمولة والنقلان ; كان للذي أعانه أجر مثله ; لأنه استوفى منفعة شريكه بعقد فاسد ، ثم عند لا يجاوز به نصف الأجر الذي آجر به في قول أبي يوسف ، وقال أبي يوسف : له أجر مثله بالغا ما بلغ على ما ذكرنا في شركة الاحتطاب ، قصاران لأحدهما أداة القصارة ، وللآخر بيت اشتركا على أن يعملا بأداة هذا في بيت هذا على أن الكسب بينهما نصفان كان ذلك جائزا ، وكذلك الصاغة والخياطون والصباغون ; لأن الأجر هنا بدل عن العمل لا عن الآلة ، وقد صار العمل مضمونا عليهما فكان بدله لهما وكان أحدهما معينا للآخر بنصف الآلة ، والآخر معينا له بنصف الدكان وهو نظير المسألة المتقدمة وهي أن يتقبلا حمولة ويحملاها على دابتهما . محمد
ولو اشتركا ولأحدهما دابة وللآخر إكاف وجوالقان على أن يؤاجرا الدابة على أن أجرهما بينهما نصفين ; كانت الشركة فاسدة ، وأجر الدابة لصاحبها وللآخر معه أجر مثله في قولهم جميعا ، أما فساد الشركة فلما ذكرنا أن الوكالة على هذا الوجه لا تصح كذا الشركة .
وأما الأجر فلأنه بدل منافع الدابة فكانت لصاحبها وقد استوفى منافع آلة الآخر بعقد فاسد فكان عليه أجر مثلها ، [ ص: 65 ] ولو دفع دابة إلى رجل ليؤاجرها على أن الأجر بينهما كان ذلك فاسدا ، والأجر لصاحب الدابة وللآجر أجر مثله وكذلك السفينة والبيت ; لأن الوكالة على هذا الوجه لا تصح فلا تصح الشركة والأجر لصاحب الدابة ; لأن العاقد عقد على ملك غيره بأمره وللرجل أجر مثله ; لأن صاحب الدابة استوفى منافعها بعقد فاسد ولو كان دفع إليه الدابة ليبيع عليها الطعام على أن الربح بينهما نصفان ; كان فاسدا ، والربح لصاحب المتاع ، ولصاحب الدابة أجر مثلها ، وكذا البيت ; لأن الكسب حصل بعمله ، وقد استوفى منفعة الدابة بعقد فاسد ، فكان عليه أجرها ، ولا يشترط لصحة هذه الشركة اتفاق العمل ، ويجوز إن اتفقت أعمالها أو اختلفت كالخياط مع القصار ونحو ذلك وهذا قول أصحابنا ، وقال : لا تجوز هذه الشركة إلا عند اتفاق الصنعة كالقصارين والخياطين بناء على أن الشركة تجوز بالمالين المختلفين عندنا كذا بالعملين المختلفين ، وعنده لا تجوز بالمالين المختلفين فكذا بالعملين المختلفين ، والصحيح قولنا ; لأن استحقاق الأجر في هذه الشركة بضمان العمل ، والعمل مضمون عليهما اتفق العملان أو اختلفا والله عز وجل أعلم . زفر