( وأما ) إذا فلا يخلو إما أن كان ذلك بأمر المدعى عليه ، أو بغير أمره فإن كان بأمره يصح ; لأنه وكيل عنه ، والصلح مما يحتمل التوكيل به ، وإن كان بغير أمره ، فهو كان بين المدعي ، والأجنبي المتوسط ، أو المتبرع ، وإنه على خمسة أوجه : أحدها أن يضيف الضمان إلى نفسه : بأن صلح الفضولي ، والثاني : أن يضيف المال إلى نفسه بأن يقول على ألفي هذه ، أو على عبدي هذا ، والثالث أن يعين البدل ، وإن كان لا ينسبه إلى نفسه بأن يقول على هذه الألف ، أو على هذا العبد ، والرابع : أن يسلم البدل ، وإن لم يعين ، ولم ينسب بأن قال : صالحتك على ألف ، وسلمها إليه ، والخامس : أن لا يفعل شيئا من ذلك بأن يقول للمدعي : صالحتك ، أو أصالحك من دعواك هذه على فلان على ألف درهم على أني ضامن لك الألف ، أو على أن علي الألف ففي الوجوه الأربعة : يصح الصلح لقوله تعالى { يقول صالحتك على ألف درهم ، أو على عبد ، وسط ، ولم يزد عليه إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم } ، وهذا خاص في صلح المتوسط ، وقوله عز شأنه { والصلح خير } ، وهذا عام في جميع أنواع الصلح لدخول الألف واللام على الصلح ، وأنهما لاستغراق الجنس ; ولأنه بالصلح في هذه الوجوه متصرف على نفسه بالتبرع بإسقاط الدين على الغير بالقضاء من مال نفسه إن كان الصلح عن إقرار ، وإن كان عن إنكار بإسقاط الخصومة فيصح تبرعه كما إذا تبرع بقضاء دين غيره من مال نفسه ابتداء ، ومتى صح صلحه يجب عليه تسليم البدل في الوجوه الثلاثة ، وليس له أن يرجع على المدعى عليه ; لأن التبرع بقضاء الدين لا يطلق الرجوع على ما نذكره في فصل الحكم إن شاء الله تعالى .
( وأما ) في الوجه الخامس فموقوف على إجازة المدعى عليه ; لأن عند انعدام الضمان والنسبة ، وتعيين البدل ، والتمكين لا يمكن حمله على التبرع بقضاء دين غيره من مال نفسه ، فلا يكن متصرفا على نفسه ، بل على المدعى عليه ، فيقف على إجازته فإن أجاز نفذ ، ويجب البدل عليه دون المصالح ; لأن الإجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة .
ولو كان وكيلا من الابتداء لنفذ تصرفه على موكله فكذلك إذا التحق التوكيل بالإجازة ، وإن رده بطل ; لأن التصرف على الإنسان لا يصح من غير إذنه وإجازته ، ثم إنما يصح صلح الفضولي إذا كان حرا بالغا فلا يصح ; لأنهما ليسا من أهل التبرع ، وكذا الخلع من الأجنبي على هذه الفصول التي ذكرنا بأن كان بإذن الزوج أو المرأة يصير وكيلا ، ويجب المال على المرأة دون الوكيل ، وإن كان بغير إذنهما ; فهو على الفصول التي ذكرنا في الصلح ، وكذلك الزيادة في الثمن من الأجنبي على هذا التفصيل إن كان بإذن المشتري يكون وكيلا ، ويجب على المشتري ، وإن كان بغير إذنه ; فعلى ما ذكرنا من الفصول ، وكذلك العفو والصلح عن دم العمد من الأجنبي على هذه الفصول ، ثم لا يخلو إما إن صالح على المفروض ، أو على غير المفروض بمقدار المفروض ، أو بأكثر منه قبل تعيين القاضي ، أو بعده على ما تقدم ، والأصل فيه أنه يجوز من صلح الأجنبي ما يجوز من صلح القاتل وما لا فلا . صلح العبد المأذون ، والصبي
وبيان ذلك أنه جاز الصلح على عشرة آلاف درهم ، وعلى ألف دينار ، وتبطل الزيادة لما ذكرنا أن الفضولي بالصلح في مثل هذا الموضع متبرع بقضاء دين على المتبرع عليه ، وليس عليه إلا هذا القدر ، فلا يصح تبرعه عليه بالزيادة كمن إذا صالح الفضولي على خمسة عشر ألفا ، أو على ألفي دينار ، وضمن قبل تعيين القاضي الواجب على العاقلة له أن يسترد الزيادة هذا إذا صالح على المفروض ، فإن صالح على جنس آخر جاز ; لأن المانع من الجواز هو الربا ، ولا يجري في مختلفي الجنس ، وكذلك لو صالح على مائتي بعير بعينها ، أو بغير عينها ; جاز صلحه على المائة لما أن القاتل لو فعل ذلك بنفسه لما جاز إلا على المائة فكذا الفضولي لما ذكرنا ، ثم إن كانت بغير أعيانها ; فالواجب عليه مائة من الإبل على الأسنان الواجبة في باب الدية ; لأن مطلق الإبل في هذا الباب ينصرف إلى الواجب ، وإن كانت بأعيانها ، فالواجب مائة منها ، والخيار إلى الطالب ; لأن الرضا بالكل يكون رضا بالبعض ، فإن كان في أسنان الإبل نقصان عن أسنان الإبل الواجبة في باب الدية فللطالب أن يرد الصلح ; لأن صلح الطالب على الزيادة على المفروض محمول على أن غرضه أنه لو ظهر نقصان في السن لا يجبر بزيادة العدد ، فإذا لم تحصل له الزيادة لم يحصل غرضه فاختل رضاه بالنقصان فأوجب حق النقص . كان له على آخر ألف درهم دين فقضى عنه ألفين بغير أمره
ولو فهو جائز ، ولا خيار للطالب ; لأن الصلح على مائة على أسنان الدية استيفاء عين الحق ، وإن كان القاضي عين الواجب فقضى عليه بالدراهم ، فصالح المتوسط على ألفي دينار ; جاز ، ولا بد من القبض في المجلس ، كما لو فعله القاتل بنفسه ; لأنه صرف ، فيراعى له شرائطه ، والله تعالى أعلم . صالح على مائة على [ ص: 53 ] أسنان الدية ، وضمنها