وإن ، فنقول الجملة فيه أن هذا في الأصل لا يخلو من وجهين . كان المدعى حيوانا موصوفا في الذمة في قتل الخطإ ، أو شبه العمد فصالح
( إما ) أن صالح على ما هو مفروض في باب الدية في الجملة .
( وإما ) أن صالح على ما ليس بمفروض في الباب أصلا ، وكل ذلك لا يخلو إما أن صالح قبل تعيين القاضي نوعا من الأنواع المفروضة ، أو بعد تعيينه نوعا منها ، فإن صالح على المفروض قبل تعيين القاضي بأن صالح على عشرة آلاف درهم ، أو على ألف دينار ، أو على مائة من الإبل ، أو على مائة بقرة ، أو على ألفي شاة ، أو على مائتي حلة ; جاز الصلح ، وهو في الحقيقة تعيين منها للواجب من أحد الأنواع المفروضة بمنزلة تعيين القاضي فيجوز ، ويكون استيفاء لعين حقه الواجب عند اختياره ذلك فعلا برضا القاتل ، وكذا إذا صالح على أقل من المفروض يكون استيفاء لبعض عين الحق ، وإبراء عن الباقي ، وإن صالح على أكثر من المفروض لا يجوز ; لأنه ربا .
ولو صالح بعد ما عين القاضي نوعا منها فإن صالح على جنس حقه المعين جاز إذا كان مثله ، أو أقل منه ، وإن كان أكثر لا يجوز ; لأنه ربا ، وإن المعين فإن كان من جنس المفروض في الجملة بأن عين القاضي مائة من الإبل فصالح على مائة من البقر ، أو أكثر [ ص: 47 ] جاز ، وتكون معاوضة ; لأن الإبل تعينت واجبة بتعيين القاضي ، فلم يبق غيره واجبا فكانت البقر بدلا عن الواجب في الذمة فكانت معاوضة ، ولا بد من القبض احترازا عن الافتراق عن دين بدين ، وكذلك إذا كان من خلاف جنس المفروض بأن صالح على مكيل أو موزون سوى الدراهم والدنانير ; جاز ، ويكون معاوضة ، ويشترط التقابض لما قلنا . صالح على خلاف الجنس
ولو صالح على قيمة الإبل أو أكثر مما يتغابن الناس فيه ; جاز ; لأن قيمة الإبل دراهم ودنانير ، وإنها ليست من جنس الإبل فكان الصلح عليها معاوضة فيجوز قل أو كثر ، ولا يشترط القبض ، وكذلك إذا صالح من الإبل على دراهم في الذمة ، وافترقا من غير قبض ; جاز ، وإن كان هذا افتراقا عن دين بدين ; لأن هذا المعنى ليس بمعاوضة ، بل هو استيفاء عين حقه ; لأن الحيوان الواجب في الذمة ، وإن كان دينا لكنه ليس بدين لازم ألا ترى أن من عليه إذا جاء بقيمته يجبر من له على القبول بخلاف سائر الديون فلا يكون افتراقا عن دين بدين حقيقة هذا إذا قضى القاضي عليه بالإبل فإن قضى عليه بالدراهم ، والدنانير فصالح من مكيل أو موزون سوى الدراهم والدنانير ، أو بقر ليس عنده لا يجوز لأن ما يقابل هذه الأشياء دراهم أو دنانير وأنها أثمان فتتعين هذه مبيعة وبيع المبيع الذي ليس بمعين لا يجوز إلا بطريق السلم هذا إذا صالح على المفروض في باب الدية فأما إذا صالح على ما ليس بمفروض أصلا كالمكيل والموزون سوى الدراهم والدنانير ونحو ذلك مما لا يدخل له في الفرض قبل تعيين القاضي ; جاز ، وإن كانت قيمته أكثر من المفروض لكن القبض في المجلس شرط ; لأنه معاوضة فيجوز ، ولا بد من القبض لما قلنا ، وإن كان بعد تعيين القاضي فهو على ما ذكرنا من التفصيل .
وكذلك حكم الصلح عن إنكار المدعى عليه وسكوته بحكم الصلح عن إقراره في جميع ما وصفنا هذا الذي ذكرنا إذا كان بدل الصلح مالا عينا أو دينا فأما إذا كان منفعة بأن صالح على خدمة عبد بعينه ، أو ركوب دابة بعينها ، أو على زراعة أرض ، أو سكنى دار ، وقتا معلوما جاز الصلح ، ويكون في معنى الإجارة سواء كان الصلح عن إقرار المدعى عليه ، أو عن إنكاره ، أو عن سكوته ; لأن الإجارة تمليك المنفعة بعوض ، وقد وجد أما في موضع الإقرار فظاهر ; لأن بدل الصلح عوض عن المدعى ، وكذا في موضع الإنكار في جانب المدعي ، وفي جانب المدعى عليه هو عوض عن الخصومة واليمين ، وكذا في السكوت ; لأن الساكت منكر حكما سواء كان المدعى عينا ، أو دينا لكن تمليك المنفعة قد يكون بالعين ، وقد يكون بالدين ، كما في سائر الإجارات ، وإن كان المدعى منفعة فإن كانت المنفعتان من جنسين مختلفين ، كما إذا صالح من سكنى دار على خدمة عبد يجوز بالإجماع ، وإن كانتا من جنس واحد لا يجوز عندنا ، وأصل المسألة في كتاب الإجارات ، وإذا اعتبر الصلح على المنافع إجارة يصح بما تصح به الإجارات ، ويفسد بما تفسد به ، ولصاحب العبد أن يعتقه ; لأن صحة الإعتاق يقف على قيام ملك الرقبة ، وإنه قائم فأشبه إعتاق المستأجر ، والمرهون ، وليس له أن يبيعه ; لأن جواز البيع بعد ملك اليد ، ولم يوجد فلا يجوز بيعه كالعبد المستأجر والمرهون .
وله أن يؤاجره من غيره ; لأن منفعته صارت مملوكة له بالصلح فإن شاء استوفاه بنفسه ، وإن شاء ملكها من غيره كالعبد المستأجر ، وله أن يؤاجره من المدعى عليه في مدة الصلح عند ، ولا يبطل الصلح ، كما لو آجره من غيره ، وعند أبي يوسف لا يجوز ، ويبطل الصلح كما لو آجره من المؤاجر في مدة الإجارة ، وأنه لا يجوز بالإجماع ، وتبطل الإجارة الأولى ، ولا يجب على المستأجر شيء من الأجرة كذا هذا ، وله أن يسافر به ، وذكر في الإجارة أن من استأجر عبدا للخدمة لم يكن له أن يسافر به للتفاوت بين خدمتي السفر ، والحضر ، والفرق أن المسافرة بالعبد المستأجر للخدمة إلحاق الضرر بالآجر ; لأن مؤنة الرد في باب الإجارة عليه ، وربما يلزمه برده مؤنة تزيد على الأجرة فيتضرر به فلم يملك المسافرة به دفعا للضرر عنه ، وهذا المعنى ههنا منعدم ; لأن مؤنة الرد لا تلزم صاحب العبد فأشبه العبد الموصى بخدمته والعبد المرهون ، وهما يملكان المسافرة به كذا هذا . محمد
ولو ; جاز ; لأن المدعي متصرف في ملك نفسه ببدل المنفعة للمدعى عليه في زعمه سنة ، والمدعى عليه متصرف في ملك نفسه باستيفاء المنفعة لنفسه في المدة المشروطة ، فكان كل واحد منهما متصرفا في ملك نفسه في زعمه فيجوز ، ومنها أن يكون متقوما ، فلا يصح [ ص: 48 ] ادعى على رجل دارا في يده فأنكر المدعى عليه فصالحه على أن يسكن المدعى عليه الذي في يده الدار سنة ، ثم يدفعها إلى المدعي ; لأنه ليس بمال متقوم في حقه ، وكذا الصلح على الخمر والخنزير من المسلم لم يصح ; لأنه تبين أنه لم يصادف محله ، ومنها أن يكون مملوكا للمصالح حتى إنه إذا إذا صالح على دن من خل فإذا هو خمر لم يصح الصلح ; لأنه تبين أنه ليس مملوكا للمصالح فتبين أن الصلح لم يصح ، ومنها أن يكون معلوما ; لأن جهالة البدل تؤدي إلى المنازعة فتوجب ، فساد العقد إلا إذا كان شيئا لا يفتقر إلى القبض والتسليم ، كما إذا صالح على مال ، ثم استحق من يد المدعي يصح الصلح ، وإن كان مجهولا ; لأن جهالة البدل لا تمنع جواز العقد لعينها بل لإفضائها إلى المنازعة المانعة من التسليم والتسلم فإذا كان مالا يستغنى عن التسليم والتسلم لا يفضي إلى المنازعة فلا يمنع الجواز إلا أن الصلح من القصاص في النفس ، وما دونه تتحمل الجهالة القليلة في البدل ، كما تتحمل في المهر في باب النكاح ، والخلع ، والإعتاق على مال والكتابة لما علم ولو ادعى رجلان كل واحد منهما على صاحبه حقا ، ثم تصالحا على أن جعل كل واحد منهما ما ادعاه على صاحبه صلحا مما ادعاه عليه صاحبه ، أو على أن يحمل كذا ، وكذا جذعا على هذا الحائط ، وعلى أن يسيل ميزابه في داره أياما معلومة لا يجوز ; لأن ما وقع عليه الصلح في هذه المواضع مفتقر إلى القبض والتسليم فلم تكن جهالته محتملة لهذا لا يجوز بيعها ، فلا يصح الصلح عليها ، والأصل أن كل ما يجوز بيعه وشراؤه يجوز الصلح عليه ، وما لا ، فلا . صالح على مسيل ، أو شرب من نهر لا حق له في رقبته