( فصل ) :
وأما بيان فالحر أولى بالإمامة من العبد ، والتقي أولى من الفاسق ، والبصير أولى من الأعمى ، وولد الرشدة أولى من ولد الزنا ، وغير الأعرابي من هؤلاء أولى من الأعرابي لما قلنا ، ثم أفضل هؤلاء أعلمهم بالسنة وأفضلهم ورعا وأقرؤهم لكتاب الله - تعالى - وأكبرهم سنا ، ولا شك أن هذه الخصال إذا اجتمعت في إنسان كان هو أولى ، لما بينا أن بناء أمر الإمامة على الفضيلة والكمال ، والمستجمع فيه هذه الخصال من أكمل الناس ، أما العلم والورع وقراءة القرآن فظاهر . من هو أحق بالإمامة وأولى بها
وأما كبر السن فلأن من امتد عمره في الإسلام كان أكثر طاعة ومداومة على الإسلام ، فأما إذا تفرقت في أشخاص فأعلمهم بالسنة أولى إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة ، وذكر في كتاب الصلاة وقدم الأقرأ فقال : ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله - تعالى - وأعلمهم بالسنة وأفضلهم ورعا وأكبرهم سنا ، والأصل فيه ما روي عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبي مسعود الأنصاري } ، ثم من المشايخ من أجرى الحديث على ظاهره وقدم الأقرأ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ به ، والأصح أن الأعلم بالسنة إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة فهو أولى ، كذا ذكر في آثار ليؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا سواء فأكبرهم سنا ، فإن كانوا سواء فأحسنهم خلقا ، فإن كانوا سواء فأصبحهم وجها لافتقار الصلاة بعد هذا القدر من القراءة إلى العلم ليتمكن به من تدارك ما عسى أن يعرض في الصلاة من العوارض ، وافتقار القراءة أيضا إلى العلم بالخطأ المفسد للصلاة فيها ، فلذلك كان الأعلم أفضل حتى قالوا : إن الأعلم إذا كان ممن يجتنب الفواحش الظاهرة [ ص: 158 ] والأقرأ أورع منه - فالأعلم أولى ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأقرأ في الحديث ; لأن الأقرأ في ذلك الزمان كان أعلم لتلقيهم القرآن بمعانيه وأحكامه ، فأما في زماننا فقد يكون الرجل ماهرا في القرآن ولا حظ له من العلم ، فكان الأعلم أولى ، فإن استووا في العلم فأورعهم ; لأن الحاجة بعد العلم والقراءة بقدر ما يتعلق به الجواز إلى الورع أشد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { أبي حنيفة } ، وإنما قدم أقدمهم هجرة في الحديث ; لأن الهجرة كانت فريضة يومئذ ثم نسخت بقوله صلى الله عليه وسلم : { من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي } ، فيقدم الأورع لتحصل به الهجرة عن المعاصي ، فإن استووا في الورع فأقرؤهم لكتاب الله - تعالى - لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا هجرة بعد الفتح } ، فإن استووا في القراءة فأكبرهم سنا لقوله صلى الله عليه وسلم : { أهل القرآن أهل الله وخاصته } فإن ، كانوا فيه سواء فأحسنهم خلقا ; لأن حسن الخلق من باب الفضيلة ، ومبنى الإمامة على الفضيلة ، فإن كانوا فيه سواء فأحسنهم وجها ; لأن رغبة الناس في الصلاة خلفه أكثر ، وبعضهم قالوا : معنى قوله - في الحديث - أحسنهم وجها أي أكثرهم خبرة بالأمور ، يقال : وجه هذا الأمر كذا ، وقال بعضهم : أي : أكثرهم صلاة بالليل ، كما جاء في الحديث { الكبر الكبر } ، ولا حاجة إلى هذا التكلف ; لأن الحمل على ظاهره ممكن لما بينا أن ذلك من أحد دواعي الاقتداء ، فكانت إمامته سببا لتكثير الجماعة فكان هو أولى . من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار
ويكره للرجل أن يؤم الرجل في بيته إلا بإذنه ، لما روينا من حديث أبي سعيد مولى بني أسيد ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : { } ، وفي رواية في بيته ; ولأن في التقدم عليه ازدراء به بين عشائره وأقاربه ، وذا لا يليق بمكارم الأخلاق . لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يجلس على تكرمة أخيه إلا بإذنه ، فإنه أعلم بعورات بيته
ولو أذن له لا بأس به ; لأن الكراهة كانت لحقه ، وذكر في غير رواية الأصول أن الضيف إذا كان ذا سلطان جاز له أن يؤم بدون الإذن ; لأن الإذن لمثل هذا الضيف ثابت دلالة ، وإنه كالإذن نصا وأما إذا كان الضيف سلطانا فحق الإمامة له حيثما يكون ، وليس للغير أن يتقدم عليه إلا بإذنه والله أعلم . محمد