( فصل ) :
وأما واجباتها فأنواع بعضها قبل الصلاة ، وبعضها في الصلاة ، وبعضها عند الخروج من الصلاة ، وبعضها في حرمة الصلاة بعد الخروج منها .
( أما ) الذي قبل الصلاة فاثنان : أحدهما - الأذان والإقامة .
يقع في مواضع : في بيان وجوبه في الجملة ، وفي بيان كيفيته ، وفي بيان سببه ، وفي بيان محل وجوبه ، وفي بيان وقته ، وفي بيان ما يجب على السامعين عند سماعه . والكلام في الأذان
( وأما ) الأول فقد ذكر ما يدل على الوجوب فإنه قال : إن أهل بلدة لو اجتمعوا على ترك الأذان لقاتلتهم عليه ، ولو تركه واحد ضربته وحبسته ، وإنما يقاتل ويضرب [ ص: 147 ] ويحبس على ترك الواجب ، وعامة مشايخنا قالوا : إنهما سنتان مؤكدتان ، لما روى محمد عن أبو يوسف أنه قال في أبي حنيفة : فقد أخطئوا السنة وخالفوا وأثموا ، والقولان لا يتنافيان لأن السنة المؤكدة والواجب سواء خصوصا السنة التي هي من شعائر الإسلام ، فلا يسع تركها ، ومن تركها فقد أساء ; لأن ترك السنة المتواترة يوجب الإساءة ، وإن لم تكن من شعائر الإسلام فهذا أولى ألا ترى أن قوم صلوا الظهر أو العصر في المصر بجماعة بغير أذان ولا إقامة سماه سنة ، ثم فسره بالواجب حيث قال : أخطئوا السنة وخالفوا وأثموا ؟ والإثم إنما يلزم بترك الواجب . أبا حنيفة
ودليل الوجوب حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري - رضي الله عنه - وهو الأصل في باب الأذان - فإنه روى { النصارى وقال بعضهم : نضرب بالشبور فكرهوا ذلك لمكان اليهود ، وقال بعضهم : نوقد نارا عظيمة فكرهوا ذلك لمكان المجوس ، فتفرقوا من غير رأي اجتمعوا عليه ، فدخل منزله فقدمت امرأته العشاء فقال : ما أنا بآكل وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهمهم أمر الصلاة ، إلى أن قال : كنت بين النائم واليقظان إذ رأيت نازلا نزل من السماء وعليه بردان أخضران وبيده ناقوس ، فقلت له : أتبيع مني هذا الناقوس ؟ فقال : ما تصنع به ؟ فقلت : أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضرب به لوقت الصلاة فقال : ألا أدلك إلى ما هو خير منه ؟ فقلت : نعم فوقف على حذم حائط مستقبل القبلة وقال : الله أكبر - الأذان المعروف - إلى آخره ، قال : ثم مكث هنيهة ثم قال مثل ذلك ، إلا أنه زاد في آخره قد قامت الصلاة مرتين ، قال : فلما أصبحت ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه لرؤيا حق ، فألقها إلى عبد الله بن زيد فإنه أندى وأمد صوتا منك ، ومره ينادي به ، فلما سمع بلال رضي الله عنه أذان عمر بن الخطاب خرج من المنزل يجر ذيل ردائه فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد طاف بي الليلة مثل ما طاف بلال بعبد الله إلا أنه سبقني به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله وإنه لأثبت } . أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن تفوتهم الصلاة مع الجماعة لاشتباه الوقت عليهم وأرادوا أن ينصبوا لذلك علامة ، قال بعضهم : نضرب بالناقوس فكرهوا ذلك لمكان
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله أن يلقي الأذان إلى ويأمره ينادي به ، ومطلق الأمر لوجوب العمل . بلال
وروي عن أنه أنكر ذلك ، ولا معنى للإنكار ، فإنه روي عن محمد بن الحنفية معاذ وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا : إن أصل الأذان رؤيا وعبد الله بن عمر رضي الله عنه وهذا لأن عبد الله بن زيد الأنصاري وإن كان رؤيا أصل الأذان عبد الله لكن النبي صلى الله عليه وسلم لما شهد بحقيقة رؤياه ثبتت حقيقتها ، ولما أمره بأن يأمر ينادي به ثبت وجوبه لما بينا ; ولأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه في عمره في الصلوات المكتوبات ، ومواظبته دليل الوجوب مهما قام عليه دليل عدم الفرضية ، وقد قام ههنا . بلالا