( فصل ) :
وأما فستة : منها القيام ، والأصل أن كل متركب من معان متغايرة ينطلق اسم المركب عليها عند اجتماعها كان كل معنى منها ركنا للمركب كأركان البيت في المحسوسات ، والإيجاب والقبول في باب البيع في المشروعات وكل ما يتغير الشيء به ، ولا ينطلق عليه اسم ذلك الشيء - كان شرطا ، كالشهود في باب النكاح فهذا تعريف الركن والشرط بالتحديد . أركانها
وأما تعريفهما بالعلامة في هذا الباب : فهو أن كل ما يدوم من ابتداء الصلاة إلى انتهائها كان شرطا ، وما ينقضي ثم يوجد غيره فهو ركن ، وقد وجد حد الركن وعلامته في القيام ; لأنه إذا وجد مع المعاني الأخر من القراءة والركوع والسجود ينطلق عليها اسم الصلاة ، وكذا لا يدوم من أول الصلاة إلى آخرها ، بل ينقضي ثم يوجد غيره فكان ركنا .
وقال الله تعالى : { وقوموا لله قانتين } ، والمراد منه : القيام في الصلاة ( ومنها ) ، لوجود حد الركن وعلامته في كل واحد منهما . الركوع ، ( ومنها ) السجود
وقال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } ، أصل الانحناء والميل ، ومن السجود أصل الوضع ، فأما الطمأنينة عليهما فليست بفرض في قول والقدر المفروض من الركوع أبي حنيفة ، وعند ومحمد فرض ، وبه أخذ أبي يوسف ، ولقب المسألة أن تعديل الأركان ليس بفرض عندهما ، وعنده فرض ، ونذكر المسألة عند ذكر واجبات الصلاة وذكر سننها - إن شاء الله تعالى واختلف في الشافعي قال محل إقامة فرض السجود ، أصحابنا الثلاثة : هو بعض الوجه .
وقال زفر : والشافعي : الوجه واليدين والركبتين والقدمين ، واحتجا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { السجود فرض على الأعضاء السبعة } وفي رواية { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم } . على سبعة آراب : الوجه واليدين والركبتين والقدمين
( ولنا ) أن الأمر تعلق بالسجود مطلقا من غير تعيين عضو ، ثم انعقد الإجماع على تعيين بعض الوجه فلا يجوز تعيين غيره ، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد ; فنحمله على بيان السنة عملا بالدليلين .
ثم اختلف أصحابنا الثلاثة في ذلك البعض ، قال : هو الجبهة أو الأنف غير عين ، حتى لو وضع أحدهما في حالة الاختيار يجزيه ، غير أنه لو وضع الجبهة وحدها جاز من غير كراهة ، ولو وضع الأنف وحده يجوز مع الكراهة وعند أبو حنيفة أبي يوسف : هو الجبهة على التعيين ، حتى لو ترك السجود عليها حال الاختيار لا يجزيه ، وأجمعوا على أنه لو وضع الأنف وحده في حال العذر يجزيه ، ولا خلاف في أن المستحب هو الجمع بينهما حالة الاختيار . ومحمد
احتجا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } ، أمر بوضعهما جميعا ، إلا أنه إذا وضع الجبهة وحدها وقع معتدا به ; لأن الجبهة هي الأصل في الباب ، والأنف تابع ، ولا عبرة لفوات التابع عند وجود الأصل ; ولأنه أتى بالأكثر وللأكثر حكم الكل مكن جبهتك وأنفك من الأرض أن ولأبي حنيفة مطلقا عن التعيين ثم قام الدليل على تعيين بعض الوجه بإجماع بيننا ; لإجماعنا على أن ما سوى الوجه وما سوى هذين العضوين من الوجه غير مراد ، والأنف بعض الوجه كالجبهة ولا إجماع على تعيين الجبهة فلا يجوز تعيينها ، وتقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد ; لأنه لا يصلح ناسخا للكتاب فنحمله على بيان السنة احترازا عن الرد - والله أعلم - . المأمور به هو السجود
هذا إذا كان قادرا على ذلك ، فأما إذا كان عاجزا عنه : فإن كان عجزه عنه بسبب المرض بأن كان مريضا لا يقدر على القيام والركوع والسجود - يسقط عنه ; لأن العاجز عن الفعل لا يكلف به ، وكذا إذا خاف زيادة العلة من ذلك ; لأنه يتضرر به وفيه أيضا حرج ، فإذا عجز عن القيام يصلي قاعدا بركوع وسجود ، فإن عجز [ ص: 106 ] عن الركوع والسجود يصلي قاعدا بالإيماء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع ، فإن عجز عن القعود يستلقي ويومئ إيماء ; لأن السقوط لمكان العذر فيتقدر بقدر العذر ، والأصل فيه قوله تعالى { فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } قيل : المراد من الذكر المأمور به في الآية هو الصلاة أي : صلوا ، ونزلت الآية في رخصة أنه يصلي قائما إن استطاع ، وإلا فقاعدا ، وإلا فمضطجعا ، كذا روي عن صلاة المريض ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم . وجابر
وروي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال : مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { } ، وإنما جعل السجود أخفض من الركوع في الإيماء ; لأن الإيماء أقيم مقام الركوع والسجود وأحدهما أخفض من الآخر ، كذا الإيماء بهما وعن صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك تومئ إيماء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة المريض : { علي } . إن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { } والركوع أخفض من الإيماء ، ثم ما ذكرنا من الصلاة مستلقيا جواب المشهور من الروايات . من لم يقدر على السجود فليجعل سجوده ركوعا وركوعه إيماء
وروي أنه إن ، وهو مذهب عجز عن القعود يصلي على شقه الأيمن ووجهه إلى القبلة وبه أخذ إبراهيم النخعي . الشافعي
( وجه ) هذا القول قوله تعالى : { وعلى جنوبكم } .
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : { فعلى جنبك تومئ إيماء } ; ولأن استقبال القبلة شرط جواز الصلاة وذلك يحصل بما قلنا ، ولهذا يوضع في اللحد هكذا ليكون مستقبلا للقبلة .
فأما المستلقي يكون مستقبل السماء وإنما يستقبل القبلة رجلاه فقط .
( ولنا ) ما روي عن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { ابن عمر قال في المريض : إن لم يستطع قاعدا فعلى القفا يومئ إيماء ، فإن لم يستطع فالله أولى بقبول العذر } ، ولأن التوجه إلى القبلة بالقدر الممكن فرض وذلك في الاستلقاء ; لأن الإيماء هو تحريك الرأس ، فإذا صلى مستلقيا يقع إيماؤه إلى القبلة ، وإذا صلى على الجنب يقع منحرفا عنها ، ولا يجوز الانحراف عن القبلة من غير ضرورة ، وبه تبين أن الأخذ بحديث أولى . ابن عمر
وقيل : إن المرض الذي كان بعمران كان باسورا ، فكان لا يستطيع أن يستلقي على قفاه ، والمراد من الآية الاضطجاع ، يقال : فلان وضع جنبه إذا نام وإن كان مستلقيا ، وهو الجواب عن التعلق بالحديث ، على أن الآية والحديث دليلنا ; لأن كل مستلق فهو مستلق على الجنب ; لأن الظهر متركب من الضلوع فكان له النصف من الجنبين جميعا ، وعلى ما يقوله يكون على جنب واحد ، فكان ما قلناه أقرب إلى معنى الآية والحديث فكان أولى . الشافعي
وهذا بخلاف الوضع في اللحد ; لأنه ليس على الميت في اللحد فعل يوجب توجيهه إلى القبلة ليوضع مستلقيا ، فكان استقبال القبلة في الوضع على الجنب فوضع كذلك .
ولو قدر على القعود ، لكن نزع الماء من عينيه فأمر أن يستلقي أياما على ظهره ونهي عن القعود والسجود - أجزأه أن يستلقي ويصلي بالإيماء وقال لا يجزئه ، ( واحتج ) بحديث مالك رضي الله عنهما أن طبيبا قال له بعدما كف بصره : لو صبرت أياما مستلقيا صحت عيناك ، فشاور ابن عباس عائشة وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم فلم يرخصوا له في ذلك وقالوا له : أرأيت لو مت في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك .
( ولنا ) أن حرمة الأعضاء كحرمة النفس ، ولو ، فكذا إذا خاف على عينيه ، وتأويل حديث خاف على نفسه من عدو أو سبع لو قعد جاز له أن يصلي بالاستلقاء رضي الله عنهما أنه لم يظهر لهم صدق ذلك الطبيب فيما يدعي ، ثم ابن عباس أما في حال التشهد : فإنه يجلس كما يجلس للتشهد بالإجماع . إذا صلى المريض قاعدا بركوع وسجود أو بإيماء كيف يقعد ؟
وأما في حال القراءة وفي حال الركوع : روي عن أنه يقعد كيف شاء من غير كراهة إن شاء محتبيا ، وإن شاء متربعا ، وإن شاء على ركبتيه كما في التشهد . أبي حنيفة
وروي عن أنه إذا افتتح تربع ، فإذا أراد أن يركع فرش رجله اليسرى وجلس عليها . أبي يوسف
وروي عنه أنه يتربع على حاله ، وإنما ينقض ذلك إذا أراد السجدة وقال يفترش رجله اليسرى في جميع صلاته والصحيح ما روي عن زفر ; لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيئات أولى وإن كان قادرا على القيام دون الركوع والسجود يصلي قاعدا بالإيماء ، وإن صلى قائما [ ص: 107 ] بالإيماء أجزأه ولا يستحب له ذلك وقال أبي حنيفة زفر : لا يجزئه إلا أن يصلي قائما ، ( واحتجا ) بما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال والشافعي لعمران بن حصين رضي الله عنه : { } ، علق الجواز قاعدا بشرط العجز عن القيام ، ولا عجز ; ولأن القيام ركن فلا يجوز تركه مع القدرة عليه كما لو كان قادرا على القيام والركوع والسجود ، والإيماء حالة القيام مشروع في الجملة بأن كان الرجل في طين وردغة راجلا ، أو في حالة الخوف من العدو وهو راجل ، فإنه يصلي قائما بالإيماء ، كذا ههنا . فإن لم تستطع فقاعدا
( ولنا ) أن الغالب أن من كان عن القيام أعجز ; لأن الانتقال من القعود إلى القيام أشق من الانتقال من القيام إلى الركوع ، والغالب ملحق بالمتيقن في الأحكام ، فصار كأنه عجز عن الأمرين ، إلا أنه متى صلى قائما جاز ; لأنه تكلف فعلا ليس عليه ، فصار كما لو تكلف الركوع جاز وإن لم يكن عليه كذا ههنا ; ولأن السجود أصل وسائر الأركان كالتابع له ، ولهذا كان السجود معتبرا بدون القيام كما في سجدة التلاوة ، وليس القيام معتبرا بدون السجود بل لم يشرع بدونه ، فإذا سقط الأصل سقط التابع ضرورة ، ولهذا سقط الركوع عمن سقط عنه السجود ، وإن كان قادرا على الركوع ، وكان الركوع بمنزلة التابع له ، فكذا القيام بل أولى ; لأن الركوع أشد تعظيما وإظهارا لذل العبودية من القيام ، ثم لما جعل تابعا له وسقط بسقوطه فالقيام أولى ، إلا أنه لو تكلف وصلى قائما يجوز لما ذكرنا ، ولكن لا يستحب ; لأن القيام بدون السجود غير مشروع ، بخلاف ما إذا كان قادرا على القيام والركوع والسجود ; لأنه لم يسقط عنه الأصل فكذا التابع . عجز عن الركوع والسجود
وأما الحديث فنحن نقول بموجبه : إن العجز شرط لكنه موجود ههنا نظرا إلى الغالب ، لما ذكرنا أن الغالب هو العجز في هذه الحالة ، والقدرة في غاية الندرة ، والنادر ملحق بالعدم ، ثم المريض إنما يفارق الصحيح فيما يعجز عنه ، فأما فيما يقدر عليه فهو كالصحيح ; لأن المفارقة للعذر ، فتتقدر بقدر العذر ، حتى لو صلى قبل وقتها أو بغير وضوء أو بغير قراءة عمدا أو خطأ وهو يقدر عليهما لم يجزه ، وإن عجز عنها أومأ بغير قراءة ; لأن القراءة ركن فتسقط بالعجز كالقيام ، ألا ترى أنها سقطت في حق الأمي ؟ وكذا إذالذلك لم يجزه ، وإن كان ذلك خطأ منه أجزأه ، بأن اشتبهت عليه القبلة وليس بحضرته من يسأله عنها فتحرى وصلى ثم تبين أنه أخطأ ، كما في حق الصحيح ، وإن كان صلى لغير القبلة متعمدا يصلي كذلك ; لأنه ليس في وسعه إلا ذلك ، وهل يعيدها إذا برئ ؟ روي عن وجه المريض إلى غير القبلة وهو لا يجد من يحول وجهه إلى القبلة ولا يقدر على ذلك بنفسه محمد بن مقاتل الرازي أنه يعيدها وأما في ظاهر الجواب فلا إعادة عليه ; لأن العجز عن تحصيل الشرائط لا يكون فوق العجز عن تحصيل الأركان ، وثمة لا تجب الإعادة فههنا أولى لم يجزه الإيماء ، وعليه السجود على الأنف ; لأن الأنف مسجد كالجبهة خصوصا عند الضرورة على ما مر ، وهو قادر على السجود عليه فلا يجزئه الإيماء . ولو كان بجبهته جرح لا يستطيع السجود على الجبهة
ولو عجز عن الإيماء وهو تحريك الرأس فلا شيء عليه عندنا .
وقال : يومئ بالحاجبين أولا ، فإن عجز فبالعينين ، فإن عجز فبقلبه وقال زفر : يومئ بعينيه وبحاجبيه ولا يومئ بقلبه . الحسن بن زياد
( وجه ) قول أن الصلاة فرض دائم لا يسقط إلا بالعجز ، فما عجز عنه يسقط وما قدر عليه يلزمه بقدره ، فإذا قدر بالحاجبين كان الإيماء بهما أولى ; لأنهما أقرب إلى الرأس ، فإن عجز الآن يومئ بعينيه ; لأنهما من الأعضاء الظاهرة ، وجميع البدن ذو حظ من هذه العبادة كذا العينان ، فإن عجز فبالقلب ; لأنه في الجملة ذو حظ من هذه العبادة وهو النية ، ألا ترى أن النية شرط صحتها ؟ فعند العجز تنتقل إليه . زفر
( وجه ) قول أن أركان الصلاة تؤدى بالأعضاء الظاهرة ، فأما الباطنة فليس بذي حظ من أركانها بل هو ذو حظ من الشرط وهو النية ، وهي قائمة أيضا عند الإيماء فلا يؤدى به الأركان والشرط جميعا . الحسن
( ولنا ) ما روي عن رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المريض إن لم يستطع قاعدا فعلى القفا يومئ إيماء ، فإن لم يستطع فالله أولى بقبول العذر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه معذور عند الله - تعالى - في هذه الحالة ، فلو كان عليه الإيماء بما ذكرتم لما كان معذورا ، ولأن الإيماء ليس بصلاة حقيقة ولهذا لا يجوز التنفل به في حالة الاختيار ، ولو كان صلاة لجاز كما لو تنفل قاعدا إلا أنه أقيم مقام الصلاة بالشرع ، والشرع ورد بالإيماء بالرأس فلا يقام غيره مقامه ، ثم إذا سقطت عنه الصلاة بحكم [ ص: 108 ] العجز فإن مات من ذلك المرض لقي الله تعالى ولا شيء عليه ; لأنه لم يدرك وقت القضاء . ابن عمر
وأما إذا برئ أو صح فإن كان المتروك صلاة يوم وليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع ، وإن كان أكثر من ذلك فقال بعض مشايخنا : يلزمه القضاء أيضا ; لأن ذلك لا يعجزه عن فهم الخطاب فوجبت عليه الصلاة فيؤاخذ بقضائها ، بخلاف الإغماء ; لأنه يعجزه عن فهم الخطاب فيمنع الوجوب عليه ، والصحيح أنه لا يلزمه القضاء ; لأن الفوائت دخلت في حد التكرار ، وقد فاتت لا بتضييعه القدرة بقصده ، فلو وجب عليه قضاؤها لوقع في الحرج ، وبه تبين أن الحال لا يختلف بين العلم أو الجهل ; لأن معنى الحرج لا يختلف ، ولهذا سقطت عن الحائض وإن لم يكن الحيض يعجزها عن فهم الخطاب ، وعلى هذا إذا قضى ما فاته ، وإن كان أكثر من يوم وليلة لا قضاء عليه عندنا استحسانا وقال أغمي عليه يوما وليلة أو أقل ثم أفاق بشر : الإغماء ليس بمسقط حتى يلزمه القضاء ، وإن طالت مدة الإغماء وقال : الإغماء يسقط إذا استوعب وقت صلاة كاملا وتذكر هذه المسائل في موضع آخر عند بيان ما يقضى من الصلاة التي فاتت عن وقتها وما لا يقضى منها - إن شاء الله تعالى - . الشافعي
ولو فإن كان شروعه بركوع وسجود بني في قول شرع في الصلاة قاعدا وهو مريض ثم صح وقدر على القيام أبي حنيفة - استحسانا ، وعند وأبي يوسف يستقبل قياسا ، بناء على أن عند محمد القائم لا يقتدي بالقاعد فكذا لا يبني أول صلاته على آخرها في حق نفسه ، وعندهما يجوز الاقتداء فيجوز البناء ، والمسألة تأتي في موضعها وإن كان شروعه بالإيماء يستقبل عند علمائنا الثلاثة ، وعند محمد يبني ; لأن من أصله أنه يجوز اقتداء الراكع الساجد بالمومئ ، فيجوز البناء ، وعندنا لا يجوز الاقتداء فلا يجوز البناء على ما يذكر . زفر
( وأما ) الصحيح إذا بنى على صلاته على حسب إمكانه قاعدا أو مستلقيا في ظاهر الرواية . شرع في الصلاة ثم عرض له مرض
وروي عن أنه إذا صار إلى الإيماء يستقبل ; لأنهما فرضان مختلفان فعلا فلا يجوز أداؤهما بتحريمة واحدة كالظهر مع العصر ، والصحيح ظاهر الرواية ; لأن بناء آخر الصلاة على أول الصلاة بمنزلة بناء صلاة المقتدي على صلاة الإمام ، وثمة يجوز أبي حنيفة لما يذكر فيجوز البناء ههنا ; ولأنه لو بنى لصار مؤديا بعض الصلاة كاملا وبعضها ناقصا ، ولو استقبل لأدى الكل ناقصا ، ولا شك أن الأول أولى . اقتداء المومئ بالصحيح
ولو رفع إلى وجه المريض وسادة أو شيء فسجد عليه من غير أن يومئ لم يجز ; لأن الفرض في حقه الإيماء ولم يوجد ، ويكره أن يفعل هذا لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلي كذلك فقال : إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأوم برأسك .
وروي أن دخل على أخيه يعوده فوجده يصلي ويرفع إليه عود فيسجد عليه ، فنزع ذلك من يد من كان في يده وقال : هذا شيء عرض لكم الشيطان ، أوم لسجودك . عبد الله بن مسعود
وروي أن رأى ذلك من مريض فقال : أتتخذون مع الله آلهة أخرى ؟ ، فإن فعل ذلك ينظر : إن كان يخفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود ثم يلزق بجبينه يجوز لوجود الإيماء لا للسجود على ذلك الشيء ، فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض وكان يسجد عليها - جازت صلاته لما روي أن ابن عمر أم سلمة كانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها لرمد بها ، ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصحيح إذا من خوف العدو أو السبع ، أو كان في طين أو ردغة يصلي الفرض على الدابة قاعدا بالإيماء من غير ركوع وسجود ; لأن عند اعتراض هذه الأعذار عجز عن تحصيل هذه الأركان من القيام والركوع والسجود ، فصار كما لو عجز بسبب المرض ، ويومئ إيماء ، لما روي في حديث كان على الراحلة وهو خارج المصر وبه عذر مانع من النزول عن الدابة ، رضي الله عنه { جابر } لما ذكرنا ، ولا تجوز أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يومئ على راحلته ويجعل السجود أخفض من الركوع سواء تقدمهم الإمام أو توسطهم في ظاهر الرواية . الصلاة على الدابة بجماعة
وروي عن أنه قال : أستحسن أن يجوز اقتداؤهم بالإمام إذا كانت دوابهم بالقرب من دابة الإمام على وجه لا يكون بينهم وبين الإمام فرجة إلا بقدر الصف بالقياس على الصلاة على الأرض ، والصحيح جواب ظاهر الرواية ; لأن اتحاد المكان من شرائط صحة الاقتداء ليثبت اتحاد الصلاتين تقديرا بواسطة اتحاد المكان ، وهذا ممكن على الأرض ; لأن المسجد جعل كمكان واحد شرعا ، وكذا في الصحراء تجعل الفرج التي بين [ ص: 109 ] الصفوف مكان الصلاة ; لأنها تشغل بالركوع والسجود أيضا فصار المكان متحدا ، ولا يمكن على الدابة لأنهم يصلون عليها بالإيماء من غير ركوع وسجود ، فلم تكن الفرج التي بين الصفوف والدواب مكان الصلاة فلا يثبت اتحاد المكان تقديرا ، ففات شرط صحة الاقتداء فلم يصح ، ولكن تجوز صلاة الإمام لأنه منفرد حتى محمد جاز لاتحاد المكان وتجوز لو كانا على دابة واحدة في محمل واحد أو في شقي محمل واحد ، كل واحد منهما في شق على حدة ، فاقتدى أحدهما بالآخر ، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على حماره وبعيره . الصلاة على أي دابة كانت ، سواء كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة اللحم
ولو كان على سرجه قذر جازت صلاته ، كذا ذكر في الأصل ، وعن أبي حفص البخاري ومحمد بن مقاتل الرازي أنه لا تجوز اعتبارا بالصلاة على الأرض وأولا العذر المذكور في الأصل بالعرف ، وعند عامة مشايخنا تجوز - كما ذكرنا في الأصل - لتعليل إذا كانت النجاسة في موضع الجلوس أو في موضع الركابين أكثر من قدر الدرهم ، وهو قوله : والدابة أشد من ذلك ، وهو يحتمل معنيين : أحدهما أن ما في بطنها من النجاسات أكثر من هذا ، ثم إذا لم يمنع الجواز فهذا أولى والثاني - أنه لما سقط اعتبار الأركان الأصلية بالصلاة عليها من القيام والركوع والسجود - مع أن الأركان أقوى من الشرائط - فلأن يسقط شرط طهارة المكان أولى ; ولأن طهارة المكان إنما تشترط لأداء الأركان عليه وهو لا يؤدي على موضع سرجه وركابيه ههنا ركنا ليشترط طهارتها ; إنما الذي يوجد منه الإيماء ، وهو إشارة في الهواء فلا يشترط له طهارة موضع السرج والركابين ، وتجوز محمد كيفما كانت الدابة واقفة أو سائرة ; لأنه يحتاج إلى السير ، فأما لعذر الطين والردغة فلا يجوز إذا كانت الدابة سائرة ; لأن السير مناف للصلاة في الأصل فلا يسقط اعتباره إلا لضرورة ، ولم توجد ولو الصلاة على الدابة لخوف العدو ينزل ويومئ قائما على الأرض ، وإن استطاع النزول ولم يقدر على القعود للطين والردغة ينزل ويصلي قاعدا بالإيماء ; لأن السقوط بقدر الضرورة والله الموفق . قدر على القعود ولم يقدر على السجود