( فصل ) :
وأما فلا خلاف في أن النجس يطهر بالغسل في الماء الجاري ، وكذا يطهر بالغسل بصب الماء عليه ، واختلف في أنه هل يطهر بالغسل في الأواني ، بأن غسل الثوب النجس أو البدن النجس في ثلاث إجانات ؟ قال طريق التطهير بالغسل أبو حنيفة : يطهر ، حتى يخرج من الإجانة الثالثة طاهرا . ومحمد
وقال : لا يطهر البدن وإن غسل في إجانات كثيرة ما لم يصب عليه الماء ، وفي الثوب عنه روايتان وجه قول أبو يوسف أن القياس يأبى حصول الطهارة بالغسل بالماء أصلا ، لأن الماء متى لاقى النجاسة تنجس ، سواء ورد الماء على النجاسة ، أو وردت النجاسة على الماء ، والتطهير بالنجس لا يتحقق ، إلا أنا حكمنا بالطهارة ; لحاجة الناس تطهير الثياب والأعضاء النجسة ، والحاجة تندفع بالحكم بالطهارة عند ورود الماء على النجاسة ، فبقي ما وراء ذلك على أصل القياس ، فعلى هذا لا يفرق بين البدن والثوب ، ووجه الفرق له على الرواية الأخرى : أن في الثوب ضرورة ، إذ كل من تنجس ثوبه لا يجد من يصب الماء عليه ، ولا يمكنه الصب عليه بنفسه وغسله ، فترك القياس فيه لهذه الضرورة دفعا للحرج ; ولهذا جرى العرف بغسل الثياب في الأواني ، ولا ضرورة في العضو ; لأنه يمكنه غسله بصب الماء عليه ، فبقي على ما يقتضيه القياس وجه قولهما أن القياس متروك في الفصلين لتحقق الضرورة في المحلين ، إذ ليس كل من أصابت النجاسة بعض بدنه يجد ماء جاريا ، أو من يصب عليه الماء وقد لا يتمكن من الصب بنفسه . أبي يوسف
وقد تصيب النجاسة موضعا يتعذر الصب عليه ، فإن من دمي فمه أو أنفه لو صب عليه الماء لوصل الماء النجس إلى جوفه ، أو يعلو إلى دماغه ، وفيه حرج بين ، فتركنا القياس لعموم الضرورة مع أن ما ذكره من القياس غير صحيح ; لما ذكرنا فيما تقدم أن الماء لا ينجس أصلا ، ما دام على المحل النجس على ما مر بيانه ، وعلى هذا الخلاف إذا كان على يده نجاسة فأدخلها في جب من الماء ، ثم في الثاني والثالث هكذا لو كان في الخوابي خل نجس - والمسألة بحالها عند - يخرج من الثالثة طاهرا خلافا لهما ، بناء على أصل آخر وهو أن المائعات الطاهرة تزيل النجاسة الحقيقية عن الثوب والبدن عند أبي حنيفة ، والصب ليس بشرط ، وعند أبي حنيفة لا تزيل أصلا ، وعند محمد تزيل لكن بشرط الصب ، ولم يوجد فاتفق جوابهما بناء على أصلين مختلفين . أبي يوسف