( ومنها ) الحقيقية ، وجملة الكلام أن غسالة النجاسة نوعان : غسالة النجاسة الحقيقية ، وغسالة النجاسة الحكمية وهي الحدث أما غسالة النجاسة ثلاث مرات فالمياه الثلاث نجسة ; لأن النجاسة انتقلت إليها إذ لا يخلو كل ماء عن نجاسة فأوجب تنجيسها وحكم المياه الثلاث في حق المنع من جواز التوضؤ بها ، والمنع من جواز الصلاة بالثوب الذي أصابته سواء لا يختلف وأما في حق تطهير المحل الذي أصابته فيختلف حكمها ، حتى قال مشايخنا : إن الماء الأول إذا أصاب ثوبا لا يطهر إلا بالعصر ، والغسل مرتين بعد العصر ، والماء الثاني يطهر بالغسل مرة بعد العصر ، والماء الثالث يطهر بالعصر لا غير ; لأن حكم كل ماء حين كان في الثوب الأول كان هكذا ، فكذا في الثوب الذي أصابه ، واعتبروا ذلك بالدلو المنزوح من البئر النجسة إذا صب في بئر طاهرة أن الثانية تطهر بما تطهر به الأولى كذا هذا ، وهل يجوز الانتفاع بالغسالة فيما سوى الشرب والتطهير من بل الطين وسقي الدواب ونحو ذلك ؟ فإن كان قد تغير طعمها أو لونها أو ريحها لا يجوز الانتفاع ; لأنه لما تغير دل أن النجس غالب فالتحق بالبول ، وإن لم يتغير شيء من ذلك يجوز ; لأنه لما لم يتغير دل أن النجس لم يغلب على الطاهر ، غسالة النجاسة الحقيقية وهي ما إذا غسلت النجاسة الحقيقية مباح في الجملة ، وعلى هذا والانتفاع بما ليس بنجس العين أنه إن كان جامدا تلقى الفأرة وما حولها ويؤكل الباقي ، وإن كان ذائبا لا يؤكل ولكن يستصبح به ويدبغ به الجلد ويجوز بيعه ، وينبغي للبائع أن يبين عيبه فإن لم يبين وباعه ثم علم به المشتري فهو بالخيار إن شاء رده وإن شاء رضي به وقال إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه رحمه الله : لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به . الشافعي
( واحتج ) بما روي عن رضي الله عنه أن { أبي موسى الأشعري } ولو جاز الانتفاع به لما أمر بإراقته ولأنه نجس فلا يجوز الانتفاع به ولا بيعه كالخمر ، . النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة ماتت في سمن فقال : إن كان جامدا فألقوها وما حولها ، وكلوا الباقي ، وإن كان ذائبا فأريقوه
( ولنا ) ما روى رضي الله عنه أن { ابن عمر } وهذا نص في الباب ; ولأنها في الجامد لا تجاور إلا ما حولها وفي الذائب تجاور الكل ، فصار الكل نجسا ، وأكل النجس لا يجوز فأما الانتفاع بما ليس بنجس العين فمباح كالثوب النجس وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإلقاء ما حولها في الجامد ، وإراقة الذائب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة ماتت في سمن فقال : تلقى الفأرة وما حولها ويؤكل الباقي ، فقيل : يا رسول الله أرأيت لو كان السمن ذائبا ؟ فقال : لا تأكلوا ولكن انتفعوا به أبي موسى لبيان حرمة الأكل ; لأن معظم الانتفاع بالسمن هو الأكل والحد الفاصل بين الجامد والذائب : أنه إن كان بحال لوقور ذلك الموضع لا يستوي من ساعته ، فهو جامد ، وإن كان يستوي من ساعته فهو ذائب ، وإذا دبغ به الجلد يؤمر بالغسل ، ثم إن كان ينعصر بالعصر يغسل ويعصر ثلاث مرات ، وإن كان لا ينعصر لا يطهر عند أبدا ، وعند محمد يغسل ثلاث مرات ويجفف في كل مرة ، وعلى هذا مسائل نذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى . أبي يوسف