( وأما ) فهو سؤر الحمار والبغل في جواب ظاهر الرواية ، وروى السؤر المشكوك فيه الكرخي عن أصحابنا أن سؤرهما نجس .
وقال : ظاهر وجه قوله أن عرقه طاهر ; لما روي أن { الشافعي النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار معروريا والحر حر الحجاز فقلما يسلم الثوب من عرقه ، وكان يصلي فيه } فإذا كان العرق طاهرا فالسؤر أولى وجه رواية : أن الأصل في سؤره النجاسة ; لأن سؤره لا يخلو عن لعابه ، ولعابه متحلب من لحمه ، ولحمه نجس ، فلو سقط اعتبار نجاسته إنما يسقط لضرورة المخالطة ، والضرورة متعارضة ; لأنه ليس في المخالطة كالهرة ولا في المجانبة كالكلب ، فوقع الشك في سقوط حكم الأصل فلا يسقط بالشك وجه ظاهر الرواية أن الآثار تعارضت في طهارة سؤره ونجاسته عن الكرخي رضي الله عنهما أنه كان يقول : الحمار يعتلف القت والتبن فسؤره طاهر وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول : إنه رجس وكذا تعارضت الأخبار في أكل لحمه ولبنه ، روي في بعضها النهي ، وفي بعضها الإطلاق ، وكذا اعتبار عرقه يوجب طهارة سؤره ، واعتبار لحمه ولبنه يوجب نجاسته ، وكذا تحقق أصل الضرورة لدورانه في صحن الدار وشربه في الإناء يوجب طهارته ، وتقاعدها عن ضرورة الهرة باعتبار أنه لا يعلو الغرف ولا يدخل - المضايق - يوجب نجاسته ، والتوقف في الحكم عند تعارض الأدلة واجب ، فلذلك كان مشكوكا فيه فأوجبنا الجمع بين التيمم وبين التوضؤ به احتياطا ; لأن التوضؤ به لو جاز لا يضره التيمم ، ولو لم يجز التوضؤ به جازت صلاته بالتيمم ، فلا يحصل الجواز بيقين إلا بالجمع بينهما ، وأيهما قدم جاز عند ابن عمر أصحابنا الثلاثة ، وعند لا يجوز ، حتى يقدم الوضوء على التيمم ليصير عادما للماء ، والصحيح قول زفر أصحابنا الثلاثة ; لما ذكرنا أنه إن كان طاهرا فقد توضأ به قدم أو أخر ، وإن كان نجسا ففرضه التيمم وقد أتى به فإن قيل : في هذا ترك الاحتياط من وجه آخر ; لأن على تقدير كونه نجسا تتنجس به أعضاؤه وثيابه ، فالجواب : أن الحدث كان ثابتا بيقين فلا تحصل الطهارة بالشك ، والعضو والثوب كل واحد منهما كان طاهرا بيقين فلا يتنجس بالشك .
وقال بعضهم : الشك في طهوريته ، ثم من مشايخنا من جعل هذا الجواب في سؤر الأتان ، وقال في سؤر الفحل : إنه نجس ، لأنه يشم البول فتتنجس شفتاه وهذا غير سديد ; لأنه [ ص: 66 ] أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت ومن مشايخنا من جعل الأسآر خمسة أقسام ، أربعة منها ما ذكرنا وجعل الخامس منها السؤر النجس المتفق على نجاسته ، وهو سؤر الخنزير وليس كذلك ; لأن في الخنزير خلاف كما في الكلب فانحصرت القسمة على أربعة . مالك