( وأما ) فمنها ما ذكره أنواع الأنجاس في مختصره : أن كل ما يخرج من بدن الإنسان مما يجب بخروجه الوضوء أو الغسل فهو نجس ، من البول والغائط والودي والمذي والمني ، ودم الحيض والنفاس والاستحاضة والدم السائل من الجرح والصديد والقيء ملء الفم ، لأن الواجب بخروج ذلك مسمى بالتطهير قال الله تعالى في آخر آية الوضوء : { الكرخي ولكن يريد ليطهركم } وقال في الغسل من الجنابة : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } وقال في الغسل من الحيض : { ولا تقربوهن ، حتى يطهرن } والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة .
وقال تعالى { : ويحرم عليهم الخبائث } ، والطباع السليمة تستخبث هذه الأشياء ، والتحريم - لا للاحترام - دليل النجاسة ; ولأن معنى النجاسة موجود في ذلك كله إذ النجس اسم للمستقذر ، وكل ذلك مما تستقذره الطباع السليمة لاستحالته إلى خبث ونتن رائحة ، ولا خلاف في هذه الجملة إلا في المني فإن زعم أنه طاهر ( واحتج ) بما روي عن الشافعي عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا وهو يصلي فيه ، والواو واو الحال أي في حال صلاته ، ولو كان نجسا لما صح شروعه في الصلاة معه فينبغي أن يعيد ، ولم ينقل إلينا الإعادة ، وعن رضي الله عنه أنه قال : المني كالمخاط فأمطه عنك ولو بالإذخر شبهه بالمخاط ، والمخاط ليس بنجس كذا المني ، وبه تبين أن الأمر بإماطته لا لنجاسته بل لقذارته ; ولأنه أصل الآدمي المكرم فيستحيل أن يكون نجسا . ابن عباس
( ولنا ) ما روي أن رضي الله عنه { عمار بن ياسر ؟ فأخبره بذلك ، فقال : صلى الله عليه وسلم ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك إلا سواء ، إنما يغسل الثوب من خمس : بول ، وغائط ، وقيء ، ومني ، ودم عمار } أخبر أن الثوب يغسل من هذه الجملة لا محالة ، وما يغسل الثوب منه لا محالة يكون نجسا فدل أن المني نجس . كان يغسل ثوبه من النخامة ، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما تصنع يا
وروي عن رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : { عائشة } ومطلق الأمر محمول على الوجوب ولا يجب إلا إذا كان نجسا ; ولأن الواجب بخروجه أغلظ الطهارتين وهي الاغتسال ، والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة ، وغلظ الطهارة يدل على غلظ النجاسة كدم الحيض والنفاس ولأنه يمر بميزاب النجس فينجس [ ص: 61 ] بمجاورته ، وإن لم يكن نجسا بنفسه وكونه أصل الآدمي لا ينفي أن يكون نجسا كالعلقة والمضغة ، وما روي من الحديث يحتمل أنه كان قليلا ولا عموم له ; لأنه حكاية حال ، أو نحمله على ما قلنا توفيقا بين الدلائل ، وتشبيه إذا رأيت المني في ثوبك فإن كان رطبا فاغسليه ، وإن كان يابسا فحتيه رضي الله عنهما إياه بالمخاط يحتمل أنه كان في الصورة لا في الحكم لتصوره بصورة المخاط ، والأمر بالإماطة بالإذخر لا ينفي الأمر بالإزالة بالماء ، فيحتمل أنه أمر بتقديم الإماطة كي لا تنتشر النجاسة في الثوب فيتعسر غسله . ابن عباس