وأما البينة : فهي أن يشهد على الرضاع رجلان أو رجل وامرأتان ولا يقبل على الرضاع أقل من ذلك ولا شهادة النساء بانفرادهن .
وهذا عندنا ، وقال يقبل فيه شهادة أربع نسوة ، وجه قوله أن الشهادة على الرضاع شهادة على عورة ; إذ لا يمكن تحمل الشهادة إلا بعد النظر إلى الثدي وإنه عورة فيقبل فيه شهادة النساء على الانفراد كالولادة ولنا ما روى الشافعي محمد عن عكرمة بن خالد المخزومي عن رضي الله عنه أنه قال : لا يقبل على الرضاع أقل من شاهدين وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم يظهر النكير من أحد ; فيكون إجماعا ولأن هذا باب مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه عمر كالمال وإنما قلنا ذلك ; لأن الرضاع مما يطلع عليه الرجال أما ثدي الأمة فلأنه يجوز للأجانب النظر إليه . شهادة النساء على الانفراد
وأما ثدي الحرة فيجوز لمحارمها النظر إليه فثبت أن هذه شهادة مما يطلع عليه الرجال فلا يقبل فيه شهادة النساء على الانفراد ; لأن قبول شهادتهن بانفرادهن في أصول الشرع للضرورة وهي ضرورة عدم اطلاع الرجال على المشهود به فإذا جاز الاطلاع عليه في الجملة ; لم تتحقق الضرورة بخلاف الولادة فإنه لا يجوز لأحد فيها من الرجال الاطلاع عليها فدعت الضرورة إلى القبول وإذا فالأفضل للزوج أن يفارقها لما روي عن شهدت امرأة على الرضاع محمد أن عقبة بن الحارث قال : تزوجت بنت أبي إهاب فجاءت امرأة سوداء فقالت : إني أرضعتكما فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 15 ] فقال صلى الله عليه وسلم { عقبة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض ثم ذكرته فأعرض حتى قال في الثالثة أو الرابعة : فدعها إذا } وقوله : فارقها أو فدعها إذا ندب إلى الأفضل والأولى . فارقها فقلت إنها امرأة سوداء وإنها كيت وكيت فقال صلى الله عليه وسلم كيف وقد قيل : وفي بعض الروايات قال
ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بينهما بل أعرض ولو كان التفريق واجبا لما أعرض فدل قوله صلى الله عليه وسلم فارقها على بقاء النكاح .
وروي أن رجلا تزوج امرأة فجاءت امرأة فزعمت أنها أرضعتهما فسأل الرجل رضي الله عنه فقال هي امرأتك ليس أحد يحرمها عليك فإن تنزهت فهو أفضل وسأل عليا رضي الله عنهما فقال له مثل ذلك ولأنه يحتمل أن تكون صادقة في شهادتها فكان الاحتياط هو المفارقة . ابن عباس
فإذا فارقها فالأفضل له أن يعطيها نصف المهر إن كان قبل الدخول بها لاحتمال صحة النكاح لاحتمال كذبها في الشهادة والأفضل لها أن تأخذ شيئا منه لاحتمال فساد النكاح لاحتمال صدقها في الشهادة وإن كان بعد الدخول فالأفضل للزوج أن يعطيها كمال المهر والنفقة والسكنى لاحتمال جواز النكاح والأفضل لها أن تأخذ الأقل من مهر مثلها ومن المسمى ولا تأخذ النفقة والسكنى لاحتمال الفساد وإن لم يطلقها فهو في سعة من المقام معها ; لأن النكاح قائم في الحكم ، وكذا إذا شهدت امرأتان أو رجل وامرأة أو رجلان غير عدلين أو رجل وامرأتان غير عدول لما قلنا ، وإذا شهد رجلان عدلان أو رجل وامرأتان وفرق بينهما فإن كان قبل الدخول بها فلا شيء لها ; لأنه تبين أن النكاح كان فاسدا وإن كان بعد الدخول بها يجب الأقل من المسمى ومن مهر المثل ولا تجب لها النفقة والسكنى في سائر الأنكحة الفاسدة ، والله عز وجل أعلم .