ومنها وجوب والكلام في هذا الحكم في ثلاثة مواضع : أحدها في الإحداد على المعتدة ، والثاني في بيان أن الإحداد واجب في الجملة أولا ، والثالث في بيان شرائط وجوبه : أما الأول فالإحداد في اللغة عبارة عن الامتناع من الزينة ، يقال : أحدت على زوجها وحدت أي امتنعت من الزينة وهو أن تجتنب الطيب ولبس المطيب والمعصفر والمزعفر ، وتجتنب الدهن والكحل ولا تختضب ولا تمتشط ولا تلبس حليا ولا تتشوف . تفسير الإحداد
أما الطيب فلما روت رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المعتدة أن تختضب بالحناء . أم سلمة
وقال صلى الله عليه وسلم : " الحناء طيب " فيدل على وجوب اجتناب الطيب ، ولأن الطيب فوق الحناء فالنهي عن الحناء يكون نهيا عن الطيب دلالة ، كالنهي عن التأفيف نهي عن الضرب والقتل دلالة ، وكذا لبس الثوب المطيب والمصبوغ بالعصفر والزعفران له رائحة طيبة فكان كالطيب وأما الدهن فلما فيه من زينة الشعر ، وفي الكحل زينة العين ولهذا حرم على المحرم جميع ذلك وهذا في حال الاختيار ، فأما في حال الضرورة فلا بأس به بأن اشتكت عينها فلا بأس بأن تكتحل أو اشتكت رأسها فلا بأس أن تصب فيه الدهن أو لم يكن لها إلا ثوب مصبوغ فلا بأس أن تلبسه لكن لا تقصد به الزينة ; لأن مواضع الضرورة مستثناة .
وقال : لا بأس أن تلبس القصب والخز الأحمر وذكر في الأصل وقال : ولا تلبس قصبا ولا خزا تتزين به ; لأن الخز والقصب قد يلبس للزينة وقد يلبس للحاجة والرفاء فاعتبر فيه القصد ، فإن قصد به الزينة لم يجز وإن لم يقصد به جاز . أبو يوسف
وأما الثاني وهو فنقول لا خلاف بين الفقهاء أن المتوفى عنها زوجها يلزمها الإحداد . بيان أنه واجب أم لا
وقال نفاة القياس : لا إحداد عليها ، وهم محجوجون بالأحاديث وإجماع الصحابة رضي الله عنهم أما الأحاديث فمنها ما روي أن رضي الله عنها لما بلغها موت أبيها أم حبيبة انتظرت ثلاثة أيام ثم دعت بطيب . أبي سفيان
وقالت : ما لي إلى الطيب من حاجة ، لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { } وروي [ ص: 209 ] أن امرأة مات زوجها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه في الانتقال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا } فدل الحديث أن عدتهن من قبل نزول هذه الآية كانت حولا وأنهن كن في شر أحلاسهن مدة الحول ثم انتسخ ما زاد على هذه المدة وبقي الحكم فيما بقي على ما كان قبل النسخ ، وهو أن تمكث المعتدة هذه المدة في شر أحلاسها ، وهذا تفسير الحداد . إن إحداكن كانت تمكث في شر أحلاسها إلى الحول ثم تخرج فتلقي البعرة أفلا أربعة أشهر وعشرا
وأما الإجماع فإنه روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم عبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة وغيرهم رضي الله عنهم مثل قولنا وهو قول السلف .