( فصل ) :
وأما فقد اختلف فيه قال أصحابنا : هو ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وهو أحد قولي الشافعي وفي قوله الآخر وهو قول مالك ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الرسغين وقال ركنه الزهري : ضربة للوجه وضربة لليدين إلى الآباط وقال : ضربتان يمسح بكل واحدة منهما الوجه ، والذراعين جميعا وقال ابن أبي ليلى ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للذراعين وضربة أخرى لهما جميعا وقال بعض الناس : هو ضربة واحدة يستعملها في وجهه ، ويديه ، وحجتهم ظاهر قوله تعالى { ابن سيرين : فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم ، وأيديكم منه } أمر بالتيمم ، وفسره بمسح الوجه ، واليدين بالصعيد مطلقا عن شرط الضربة ، والضربتين فيجري على إطلاقه ، وبه يحتج الزهري فيقول : إن الله تعالى أمر بمسح اليد ، واليد اسم لهذه الجارحة من رءوس الأصابع إلى الآباط ولولا ذكر المرافق غاية للأمر بالغسل في باب الوضوء لوجب غسل هذا المحدود ، والغاية ذكرت في الوضوء دون التيمم .
واحتج مالك بما روي { ، والشافعي رضي الله عنه أجنب فتمعك في التراب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أنه يكفيك الوجه ، والكفان عمار بن ياسر } . أن
( ولنا ) الكتاب ، والسنة أما الكتاب فقوله تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه } والآية حجة على مالك ، لأن الله تعالى أمر بمسح اليد ، فلا يجوز التقييد بالرسغ إلا بدليل وقد قام دليل التقييد بالمرفق ، وهو أن المرفق جعل غاية للأمر بالغسل ، وهو الوضوء ، والتيمم بدل عن الوضوء ، والبدل لا يخالف المبدل فذكر الغاية هناك يكون ذكرا ههنا دلالة ، وهو الجواب عن قول من يقول : إن التيمم ضربة واحدة لأن النص لم يتعرض للتكرار لأن النص إن كان لم يتعرض للتكرار أصلا نصا فهو متعرض له دلالة ; لأن التيمم خلف عن الوضوء ولا يجوز استعمال ماء واحد في عضوين في الوضوء فلا يجوز استعمال تراب واحد في عضوين في التيمم ، لأن الخلف لا يخالف الأصل ، وكذا هي حجة على ، والشافعي ابن أبي ليلى ، لأن الله تعالى أمر بمسح الوجه ، واليدين فيقتضي وجود فعل المسح على كل واحد منهما مرة واحدة ، لأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار ، وفيما قالاه تكرار فلا تجوز الزيادة على الكتاب إلا بدليل صالح للزيادة ( وأما ) السنة فما [ ص: 46 ] روي عن ، وابن سيرين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { جابر } ، والحديث حجة على الكل ، وأما حديث : التيمم ضربتان ضربة للوجه ، وضربة للذراعين إلى المرفقين ففيه تعارض ، لأنه روي في رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { عمار } ، والمتعارض لا يصلح حجة . يكفيك ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين