951 - أخبركم أبو عمر بن حيويه قال : حدثنا يحيى قال : حدثنا الحسين قال : أخبرنا قال : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا حجاج بن محمد المسعودي ، عن أنه كان يقول لابنه : يا بني ، عون بن عبد الله ، الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون ، إن زكي خاف مما يقولون ، واستغفر لما لا يعلمون ، لا يغره ثناء من جهله ، ولا ينسى إحصاء من علمه ، يقول : ربي أعلم بي من نفسي ، وأنا أعلم بي من غيري ، فهو يستبطئ نفسه في العمل ، ويأتي ما أتى من الأعمال الصالحة على وجل ، إن عصته نفسه فيما كرهت لم يطعها فيما أحبته ، يبيت وهو يذكر ، ويصبح وهمته أن يشكر ، يبيت حذرا ، ويصبح فرحا ، حذرا لما حذر من الغفلة ، فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة ، لا يحدث أمانته الأصدقاء ، ولا يكتم شهادته الأعداء ، ولا يعمل بشيء من الخير رياء ، ولا يدع شيئا منه حياء ، إن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين ، وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين ؛ لأنه يذكر حين لا يذكرون ، ولا يغفل حين يذكرون ، زهادته فيما ينفد ، ورغبته فيما يخلد ، فيصمت ليسلم ، ويخلو ليغنم ، وينطق ليفهم ، ويخالط ليعلم ، ولا ينصب للخير وهو يسهو ، ولا يستمع له وهو يلغو ، مجالس الذكر مع الفقراء أحب إليه من مجالس اللغو مع الأغنياء ، ولا تكن [ ص: 334 ] يا بني ، ممن يعجب باليقين من نفسه فيما ذهب ، وينسى اليقين فيما رجا وطلب ، يقول فيما ذهب : لو قدر شيء كان ، ويقول فيما بقي : ابتغ أيها الإنسان شاخصا غير مطمئن ، لا يثق من الرزق بما قد تضمن له ، تغلبه نفسه على ما يظن ، ولا يغلبها على ما يستيقن ، يتمنى المغفرة ، ويعمل في المعصية ، كان في أول عمره في غفلة وغرة ، ثم أبقي ، وأقيل العثرة ، فإذا هو في آخره كسل ذو فترة ، طال عليه الأمل ففتر ، وطال عليه الأمد فاغتر ، وأعذر إليه فيما عمر ، وليس فيما عمر بمعذر ، عمر فيما يتذكر فيه من تذكر ، وهو من الذنب والنعمة موقر ، إن أعطي لم يشكر ، وإن منع قال : لم لم يقدر ، أساء العبد واستكبر ، الله أحق أن يشكر ، وهو أحق أن لا يعذر ، يتكلف ما لم يؤمر ، ويضيع ما هو أكبر ، يسأل الكثير ، وينفق اليسير ، فأعطي ما يكفي ، ومنع ما يلهي ، فليس يرى شيئا يغني ، إلا غناء يطغي ، يعجز عن شكر ما أعطي ، ويبتغي الزيادة فيما بقي ، يستبطئ نفسه في شكر ما أوتي ، وينسى ما عليه من الشكر فيما وقي ، ينهى ولا ينتهي ، ويأمر بما لا يأتي ، يهلك في بغضه ، ولا يقصد في حبه ، يغره من نفسه حبه ما ليس عنده ، ويبغض على ما عنده مثله ، يحب الصالحين ولا يعمل [ ص: 335 ] عملهم ، ويبغض المسيئين وهو أحدهم ، يرجو الأجر في بغضه على ظنه ، ولا يخشى المقت في اليقين من نفسه ، لا يقدر من الدنيا على ما يهوى ، ولا يقبل من الآخرة ما يبقى ، إن عوفي حسب أنه قد تاب ، وإن ابتلي عاد ، إن عرضت له شهوة قال : يكفيك العمل فوقع ، وإن عرض له العمل كسل ففتر ، وقال : يكفيك الورع ، لا يذهبه مخافته الكسل ، ولا تبعثه رغبته على العمل ، مرض وهو لا يخشى أن يمرض ، ثم يؤخر وهو يخشى أن يقبر ، ثم لا يسعى فيما له خلق ، يزعم إنما تكفل له به الرزق ، يشغل عما فرغ له من العمل ، يخشى الخلق في ربه ، ولا يخشى الرب في خلقه ، يعوذ بالله ممن هو فوقه ، ولا يريد أن يعيذ بالله ممن هو تحته ، يخشى الموت ولا يرجو الفوت ، ثم يأمن ما يخشى ، وقد أيقن به ، ولا يأيس مما يرجو ، وقد أوئس منه ، يرجو نفع علم لا يعمل به ، ويأمن ضر جهل قد أيقن به ، يضجر ممن تحته من الخلق ، وينسى ما عليه فيه من الحق ، إن ذكر اليقين قال : ما هكذا كان من كان قبلكم ، فإن قيل : أفلا تعمل مثل عملهم ؟ قال : من يستطيع أن يكون مثلهم ، كأن النقص لم يصبه معهم ، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه ما ييسر من عمله ، تبصره العورة من غيره ويغفلها من نفسه ، ويلين ليحسب أن عنده أمانة وهو يرصد الخيانة ، يستعجل بالسيئة وهو في الحسنة [ ص: 336 ] ، خفف عليه الشعر ، وثقل عليه الذكر ، واللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء ، يعجل النوم ، ويؤخر الصوم ، فلا يبيت قائما ، ولا يصبح صائما ، يصبح وهمه التصبح من النوم ، ولم يسهر ، ويمسي وهمه العشاء وهو مفطر ، إن صلى اعترض ، وإن ركع ربض ، وإن سجد نقر ، وإن جلس شغر ، وإن سأل ألحف ، وإن سئل سوف ، وإن حدث حلف ، وإن حلف حنث ، وإن وعظ كلح ، وإن مدح فرج ، طلبه شر ، وتركه وزر ، ليس له في نفسه عن عيب الناس شغل ، وليس لها في الإحسان فضل ، يميل لها ، ويحب لها منهم العدل ، يرى له في العدل سعة ، ويرى عليه فيه منقصة ، أهل الخيانة له بطانة ، وأهل الأمانة له علاوة ، ثم يعجب من أن يفشو سره ، ولا يشعر من أين جاء ضره ، إن أسلم لم يسمع ، وإن أسمع لم يرجع ، ينظر نظر الحسود ، ويعرض إعراض الحقود ، ويسخر بالمقبل ، ويأكل المدبر ، ويرضي الشاهد ، ويسخط الغائب ، ويرضي الشاهد بما ليس فيه ، ويسخط الغائب بما لا يعلم فيه ، من اشتهى زكى ، ومن كره قفا ، جرى على الخيانة ، وبرئ من الأمانة ، من أحب كذب ، ومن أبغض خلب ، يضحك من غير عجب ، ويمشي إلى غير الأرب ، لا ينجو منه من جانب ، ولا يسلم منه من صاحب ، إن حدثته ملك ، وإن حدثك غمك ، وإن سؤته سرك ، وإن سررته ضرك ، وإن [ ص: 337 ] فارقك أكلك ، وإن باطنته فجعك ، وإن باعدته بهتك ، وإن وافقته حسدك ، وإن خالفته مقتك ، يحسد أن يفضل ، ويزهد أن يفضل ، يحسد من فضله ، ويزهد أن يعمل عمله ، ويعجز عن مكافأة من أحسن إليه ، ويفرط فيمن بغى عليه ، له الفضل في الشر ، وعليه الفضل في الأجر ، فيصبح صاحبه في أجر ، ويصبح منه في وزر ، إن أفيض في الخير كزم يعني سكت ، وضعف ، واستسلم ، وقال : الصمت حلم ، فهذا ما ليس له به علم ، وإن أفيض في الشر قال : يحسب بك غي ، فتكلم فجمع بين الأروى والنعام ، وبين الخال والعم والأم ، قال : ولاءم ما يتلاءم له ، لا ينصت فيسلم ، ولا يتكلم بما لا يعلم ، يخاف زعم أن يتهم ، ونهمته إذا تكلم ، يغلب لسانه قلبه ، ولا يضبط قلبه قوله ، يتعلم المراء ، ويتفقه للرياء ، ويكن الكبرياء ، فيظهر منه ما أخفى ، ولا يخفى منه ما أبدى ، يبادر ما يفنى ، ويواكل ما يبقى ، يبادر الدنيا ، ويواكل التقوى . كن ممن نأيه عمن نأى عنه يقين ونزاهة ، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ، ليس نأيه بكبر ، ولا عظمة ، ولا دنوه بخدع ، ولا خلابة ، يقتدي بمن قبله ، فهو إمام لمن بعده ، ولا يعجل فيما رابه ، ويعفو إذا تبين له ، يغمض في الذي له ، ويزيد في الحق الذي عليه ، لا يعزب حلمه ، ولا يحضر جهله ،
[ ص: 338 ]