[ ص: 247 ] المسألة الثامنة
كما في قوله تعالى : ( نفي المساواة بين الشيئين لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ) يقتضي نفي الاستواء في جميع الأمور عند أصحابنا القائلين بالعموم خلافا لأبي حنيفة ، فإنه قال : إذا وقع التفاوت ولو من وجه واحد فقد وفى بالعمل بدلالة اللفظ .
حجة أصحابنا أنه إذا قال القائل : لا مساواة بين زيد وعمرو فالنفي داخل على مسمى المساواة ، فلو وجدت المساواة من وجه لما كان مسمى المساواة منتفيا ، وهو خلاف مقتضى اللفظ .
فإن قيل : الاستواء ينقسم إلى الاستواء من كل وجه ، وإلى الاستواء من بعض الوجوه ، ولهذا يصدق قول القائل : استوى زيد وعمرو عند تحقق كل واحد من الأمرين .
والاستواء مطلقا أعم من الاستواء من كل وجه ، ومن وجه دون وجه ، والنفي إنما دخل على الاستواء الأعم فلا يكون مشعرا بأحد القسمين الخاصين .
وأيضا فإنه لا يكفي في إطلاق لفظ المساواة الاستواء من بعض الوجوه وإلا لوجب إطلاق لفظ المتساويين على جميع الأشياء ، لأنه ما من شيئين إلا ولا بد من استوائهما في أمر ما ، ولو في نفي ما سواهما عنهما .
ولو صدق ذلك وجب أن يكذب عليه غير المساوي لتناقضهما عرفا .
ولهذا فإن من قال : هذا مساو لهذا فمن أراد تكذيبه قال : لا يساويه والمتناقضان لا يصدقان معا ، ويلزم من ذلك أن لا يصدق على شيئين أنهما غير متساويين ، وذلك باطل ، فعلم أنه لا بد في اعتبار المساواة من التساوي من كل وجه .
وعند ذلك فيكفي في نفي المساواة نفي الاستواء من بعض الوجوه ، لأن نقيض الكلي الموجب جزئي سالب فثبت أن نفي المساواة لا يقتضي نفي المساواة من كل وجه .
وأيضا فإنه لو كان نفي المساواة يقتضي نفي المساواة من كل وجه لما صدق نفي المساواة حقيقة على شيئين أصلا ، لأنه ما من شيئين إلا وقد استويا في أمر ما كما سبق .
وهو على خلاف الأصل إذ الأصل في الإطلاق الحقيقة دون المجاز .
[ ص: 248 ] والجواب عن الأول أن ذكر الأعم متى لا يكون مشعرا بالأخص إذا كان ذلك في طرف الإثبات أو النفي ؟ الأول مسلم والثاني ممنوع .
ولهذا فإنه لو قال القائل : ما رأيت حيوانا وكان قد رأى إنسانا أو غيره من أنواع الحيوان ، فإنه يعد كاذبا .
وعن الثاني لا نسلم أنه لا يكفي في إطلاق لفظ المساواة التساوي من بعض الوجوه .
قولهم : لو كفى ذلك لوجب إطلاق لفظ المتساويين على جميع الأشياء لما قرر ، مسلم .
قولهم : يلزم من ذلك أن يكذب عليه غير المساوي ، وهو باطل بما قرر .
فهو مقابل بمثله ، وهو أن يقال : لا يكفي في إطلاق نفي المساواة نفي المساواة من بعض الوجوه ، وإلا لوجب إطلاق نفي المساواة على كل شيئين لأنه ما من شيئين إلا وقد تفاوتا من وجه ضرورة تعينهما ، ولو صدق ذلك لوجب أن يكذب عليه المساوي لتناقضهما عرفا .
ولهذا فإن من قال : هذا غير مساو لهذا فمن أراد تكذيبه قال : إنه مساو له ، والمتناقضان لا يصدقان معا .
ويلزم من ذلك أن لا يصدق على شيئين أنهما متساويان ، وذلك باطل ، فإنه ما من شيئين إلا ولا بد من استوائهما ، ولو في نفي ما سواهما عنهما ، فعلم أنه لا بد في اعتبار نفي المساواة من نفي المساواة من كل وجه .
وعند ذلك فيكفي في إثبات المساواة المساواة من بعض الوجوه ، لأن نقيض الكلي السالب جزئي موجب .
وفيه إبطال ما ذكر من عدم الاكتفاء في إطلاق لفظ المساواة بالمساواة من وجه .
وإذا تقابل الأمران سلم لنا ما ذكرناه أولا .
وعن الثالث لا نسلم صدق نفي المساواة مطلقا على ما وقع التساوي بينهما من وجه .
قولهم : الأصل في الإطلاق الحقيقة ، قلنا : إلا أن يدل الدليل على مخالفته .
ودليله ما ذكرناه .
وفي معنى نفي المساواة قوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) .