المسألة العاشرة .
اختلفوا في
nindex.php?page=treesubj&link=29109_21528قبول الخبر المرسل وصورته ، ما إذا قال من لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم وكان عدلا " قال رسول الله " .
فقبله
أبو حنيفة ومالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل في أشهر الروايتين عنه ، وجماهير
المعتزلة كأبي هاشم .
وفصل
nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان فقبل مراسيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، ومن هو من أئمة النقل مطلقا ، دون من عدا هؤلاء .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه ، فإنه قال : إن كان المرسل من مراسيل الصحابة أو مرسلا قد أسنده غير مرسله أو أرسله راو آخر يروي عن غير شيوخ الأول ، أو عضده قول صحابي ، أو قول أكثر أهل العلم ، أو أن يكون المرسل قد عرف من حاله أنه لا يرسل عمن فيه علة من جهالة أو غيرها ، كمراسيل
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، فهو مقبول وإلا فلا .
ووافقه على ذلك أكثر أصحابه ، والقاضي
أبو بكر [1] وجماعة من الفقهاء .
والمختار قبول مراسيل العدل مطلقا ، ودليله الإجماع والمعقول ، أما الإجماع فهو أن الصحابة والتابعين أجمعوا على قبول المراسيل من العدل :
[ ص: 124 ] أما الصحابة فإنهم قبلوا أخبار
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس مع كثرة روايته .
وقد قيل إنه لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سوى أربعة أحاديث ، لصغر سنه
[2] .
ولما روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355208إنما الربا في النسيئة ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355209لم يزل يلبي حتى رمى حجر العقبة .
قال في الخبر الأول ، لما روجع فيه : أخبرني به
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، وقال في الخبر الثاني : أخبرني به أخي
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس [3] .
وأيضا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355210من صلى على جنازة ، فله قيراط " وأسنده بعد ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
وأيضا ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355211من أصبح جنبا في رمضان فلا صوم له " وقال : ما أنا قلته ، ورب الكعبة ، ولكن محمدا قاله ، فلما روجع فيه ، قال : حدثني به
nindex.php?page=showalam&ids=69الفضل بن عباس .
وأيضا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب ، أنه قال : ما كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ولكن سمعنا بعضه ، وحدثنا أصحابنا ببعضه .
وأما التابعون فقد كان من عادتهم إرسال الأخبار ، ويدل على ذلك ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش أنه قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12354لإبراهيم النخعي إذا حدثتني فأسند ، فقال : إذا قلت لك حدثني فلان عن
عبد الله فهو الذي حدثني ، وإذا قلت لك حدثني
عبد الله ، فقد حدثني جماعة عنه ، وأيضا ما روي عن
الحسن أنه روى حديثا ، فلما روجع فيه قال : ( أخبرني به سبعون بدريا ، ويدل على ذلك ما اشتهر من إرسال
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي وغيرهما ، ولم يزل ذلك مشهورا فيما بين الصحابة والتابعين من غير نكير ، فكان إجماعا
[4] .
[ ص: 125 ] وأما المعقول فهو أن العدل الثقة إذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، مظهرا للجزم بذلك ، فالظاهر من حاله أنه لا يستجيز ذلك إلا وهو عالم أو ظان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك .
فإنه لو كان ظانا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقله ، أو كان شاكا فيه ، لما استجاز في دينه النقل الجازم عنه ، لما فيه من الكذب والتدليس على المستمعين ، وذلك يستلزم تعديل من روي عنه ، وإلا لما كان عالما ولا ظانا بصدقه في خبره
[5] .
فإن قيل لا نسلم الإجماع ، ودليله من جهة الإجمال والتفصيل : أما الإجمال فهو أن المسألة اجتهادية ، والإجماع قاطع ، فلا يساعد في مسائل الاجتهاد .
وأما من جهة التفصيل فهو أن غاية ما ذكر مصير بعض الصحابة أو التابعين إلى الإرسال ، وليس في ذلك ما يدل على إجماع الكل .
قولكم : لم ينكر ذلك منكر لا نسلم ذلك ، ولهذا باحثوا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة في ذلك حتى أسند كل واحد ما أخبر به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين : لا نأخذ بمراسيل
الحسن وأبي العالية ، وإن سلمنا عدم النكير ، فغايته أنهم سكتوا ، والسكوت لا يدل على الموافقة لما سبق تقريره في مسائل الإجماع ، سلمنا الموافقة ، غير أن الإرسال المحتج بوقوعه ، إنما وقع من الصحابة والتابعين ، ونحن نقول بذلك ; لأن الصحابي والتابعي إنما يروي عن الصحابي ، والصحابة عدول على ما سبق تحقيقه .
[ ص: 126 ] وأما ما ذكرتموه من المعقول فلا نسلم أن قول الراوي : " قال رسول الله " تعديل للمروي عنه ، وذلك لأنه قد يروي الشخص عمن لو سئل عنه ، لجرحه ، أو توقف فيه ، فالراوي ساكت عن التعديل والجرح ، والسكوت عن الجرح لا يكون تعديلا ، وإلا كان السكوت عن التعديل جرحا ; ولهذا فإن شاهد الفرع لو أرسل شهادة الأصل ، فإنه لا يكون تعديلا لشاهد الأصل ، لما ذكرناه .
قولكم : لو لم يكن ظانا لعدالة المروي عنه ، أو عالما بها ، لما جاز له أن يجزم بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قلنا : قد بينا إمكان الرواية عن الكاذب ، والجزم بالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع تجويز كذب الراوي ، وذلك قادح في الرواية ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا تعذر الجزم ، فليس حمل قوله : ( قال ) على معنى ( أظن أنه قال ) أولى من حمله على ( أني سمعت أنه قال ) ولو حمل على ( أني سمعت أنه قال ) لم يكن ذلك تعديلا ، وعلى هذا فلا يكون بروايته مدلسا ولا ملبسا .
سلمنا أن الإرسال تعديل للمروي عنه ، ولكن لا نسلم أن مطلق التعديل مع قطع النظر عن ذكر أسباب العدالة كاف في التعديل كما سبق .
سلمنا أن مطلق التعديل كاف ، لكن إذا عين المروي عنه ، ولم يعرف بفسق ، وأما إذا لم يعينه ، فلعله اعتقده عدلا في نظره ، ولو عينه لعرفنا فيه فسقا لم يطلع المعدل عليه ، ولهذا لم يقبل تعديل شاهد الفرع لشاهد الأصل مع عدم تعيينه .
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على التعديل ، لكنه معارض بما يدل على عدم التعديل ، وبيانه من ستة أوجه .
الأول أن الجهالة بعين الراوي آكد من الجهل بصفته ، وذلك لأن من جهلت ذاته فقد جهلت صفته ، ولا كذلك بالعكس ، ولو كان معلوم العين ، مجهول الصفة ، لم يكن خبره مقبولا ، فإذا كان مجهول العين والصفة ، أولى أن لا يكون خبره مقبولا .
الثاني : أن من شرط قبول الرواية المعرفة بعدالة الراوي ، والمرسل لا يعرف عدالة الراوي له ، فلا يكون خبره مقبولا لفوات الشرط .
الثالث : هو أن الخبر كالشهادة في اعتبار العدالة ، وقد ثبت أن الإرسال في الشهادة مانع من قبولها فكذلك الخبر .
[ ص: 127 ] الرابع : أنه لو جاز العمل بالمراسيل ، لم يكن لذكر أسماء الرواة والبحث عن عدالتهم معنى .
الخامس : أنه لو وجب العمل بالمراسيل لزم في عصرنا هذا أن يعمل بقول الإنسان : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذا " وإن لم يذكر الرواة ، وهو ممتنع .
السادس : أن الخبر خبران : تواتر وآحاد ، ولو قال الراوي " أخبرني من لا أحصيهم عددا " لا يقبل قوله في التواتر ، فكذلك في الآحاد .
والجواب قولهم : الإجماع لا يساعد في مسائل الاجتهاد ، قلنا : الذي لا يساعد إنما هو الإجماع القاطع في متنه وسنده ، وما ذكرناه من الإجماع السكوتي فظني ، فلا يمتنع التمسك به في مسائل الاجتهاد كالظاهر من الكتاب والسنة .
قولهم : لا نسلم عدم الإنكار ، قلنا : الأصل عدمه .
قولهم : إنهم باحثوا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة ، قلنا : المراجعة في ذلك لا تدل على إنكار الإرسال
[6] بل غايته طلب زيادة علم لم تكن حاصلة بالإرسال ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ليس إنكارا للإرسال مطلقا ، بل إرسال
الحسن وأبي العالية لا غير لظنه أنهما لم يلتزما في ذلك تعديل المروي عنه
[7] .
ولهذا قال فإنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث منه ، لا على الإرسال .
قولهم : السكوت لا يدل على الموافقة ، قلنا : وإن لم يدل عليها قطعا فهو دليل عليها ظنا ، كما سبق تقريره في الإجماع
[8] .
قولهم : نحن لا ننكر أن إرسال الصحابة والتابعين حجة ، قلنا : إنما يصح ذلك ، أن لو كانوا لا يروون إلا عن الصحابي العدل ، وليس كذلك .
ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بعد الإرسال حدثني به رجل على باب
عبد الملك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير فيما أرسله حدثني به بعض الحرسية .
[ ص: 128 ] قولهم لا نسلم أن قول الراوي " قال رسول الله " تعديل للمروي عنه ، قلنا دليله ما سبق .
قولهم : إن الراوي قد يروي عمن لو سئل عنه لجرحه أو عدله ، قلنا : ذلك إنما يكون فيما إذا كان قد عين الراوي ، ووكل النظر فيه إلى المجتهدين ، ولم يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا ، بل غايته أنه قال قال فلان إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا ، وأما إذا لم يعين ، فالظاهر أنه لا يجزم بقوله قال النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد علم أو ظن عدالة الراوي على ما سبق
[9] .
وأما إرسال الشهادة فلا يلزم من عدم قبولها عدم قبول الإرسال في الرواية ؛ لأن الشهادة قد اعتبر فيها من الاحتياط ما لم يعتبر في الرواية كما سبق تقريره .
قولهم : إن الجزم مع تجويز كذب من روي عنه كذب ، قلنا : إنما يكون كذبا ، إن لو ظن أو علم أنه كاذب ، وأما إذا قال ذلك مع ظن الصدق ، فلا يكون كاذبا ، وإن احتمل في نفس الأمر أن يكون المروي عنه كاذبا ، كما لو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع العنعنة .
قولهم : سلمنا أن الإرسال من الراوي تعديل للمروي عنه ، لكنه تعديل مطلق فلا يكون حجة موجبة للعمل به على الغير ، قلنا : قد بينا أن التعديل المطلق دون تعيين سببه كاف فيما تقدم
[10] .
قولهم لعله : اعتقده عدلا ولو عينه لعرفنا فيه فسقا لم يعرفه المعدل ، قلنا : وإن كان ذلك محتملا ، غير أن الظاهر عدمه
[11] ولا سيما مع تعديل العدل العالم بأحوال الجرح والتعديل ، وعدم الظفر بما يوجب الجرح .
وأما اعتبار الرواية بالشهادة ، فقد عرف وجه الفارق فيهما ، وما ذكروه من المعارضة الأولى ، فإنما يصح أن لو كان يلزم من الجهل بعين الراوي ، الجهل بصفته مطلقا ، وليس كذلك مما بيناه من أن الإرسال يدل على تعديله من جهة الجملة ، وإن جهلت عينه
[ ص: 129 ] وبهذا يبطل ما ذكروه من المعارضة الثانية .
وأما المعارضة الثالثة ، فقد عرف جوابها بالفرق بين الرواية والشهادة .
وأما المعارضة الرابعة ، فجوابها ببيان فائدة ذكر الراوي ، وذلك من وجهين : الأول : أن الراوي قد يشتبه عليه حال المروي عنه ، فيعينه ليكل النظر في أمره إلى المجتهد ، بخلاف ما إذا أرسل .
الثاني : أنه إذا عين الراوي ، فالظن الحاصل للمجتهد بفحصه بنفسه عن حاله يكون أقوى من الظن الحاصل له بفحص غيره .
وأما المعارضة الخامسة فمندفعة أيضا ، فإنه مهما كان المرسل للخبر في زماننا عدلا ، ولم يكذبه الحفاظ ، فهو حجة .
وأما المعارضة السادسة ، فإنما لم يصر الخبر بقول الواحد متواترا ; لأن المتواتر يشترط فيه استواء طرفيه ووسطه ، والواحد ليس كذلك ، فلا يحصل بخبره التواتر .
وإذا عرف أن المرسل مقبول من العدل ، فمن لم يقل به
nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي ، فقد قيل إنه لا معنى لقوله إنه يكون مقبولا إذا أسنده غير المرسل أو أسنده المرسل مرة ; لأن الاعتماد في ذلك إنما هو على الإسناد ، لا على الإرسال ولا معنى لقوله : إنه يكون مقبولا إذا أرسله اثنان ، وكانت مشايخهما مختلفة ; لأن ضم الباطل إلى الباطل غير موجب للقبول ، وليس بحق ; لأن الظن الحاصل بصدق الراوي من الإرسال مع هذه الأمور أقوى منه عند عدمها .
وعلى هذا ، فلا يلزم من عدم الاحتجاج بأضعف الظنين عدم الاحتجاج بأقواهما ، وإذا عرف الخبر المقبول وغير المقبول ، فإذا تعارض خبران مقبولان ، فالعمل بأحدهما يتوقف على الترجيح . وسيأتي في قاعدة الترجيحات بأقصى الممكن إن شاء الله تعالى .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ .
اخْتَلَفُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29109_21528قَبُولِ الْخَبَرِ الْمُرْسَلِ وَصُورَتِهِ ، مَا إِذَا قَالَ مَنْ لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَدْلًا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " .
فَقَبِلَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَجَمَاهِيرُ
الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمٍ .
وَفَصَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16739عِيسَى بْنُ أَبَانَ فَقَبِلَ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَمَنْ هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مُطْلَقًا ، دُونَ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ قَالَ : إِنْ كَانَ الْمُرْسَلُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ أَوْ مُرْسَلًا قَدْ أَسْنَدَهُ غَيْرُ مُرْسِلِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ رَاوٍ آخَرُ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ شُيُوخِ الْأَوَّلِ ، أَوْ عَضَّدَهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ ، أَوْ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسِلُ قَدْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ عَمَّنْ فِيهِ عِلَّةٌ مِنْ جَهَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، كَمَرَاسِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابْنِ الْمُسَيَّبِ ، فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَلَا .
وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ ، وَالْقَاضِي
أَبُو بَكْرٍ [1] وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ .
وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ مَرَاسِيلِ الْعَدْلِ مُطْلَقًا ، وَدَلِيلُهُ الْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ ، أَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ الْمَرَاسِيلِ مِنَ الْعَدْلِ :
[ ص: 124 ] أَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّهُمْ قَبِلُوا أَخْبَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مَعَ كَثْرَةِ رِوَايَتِهِ .
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سِوَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ ، لِصِغَرِ سِنِّهِ
[2] .
وَلَمَّا رَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355208إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355209لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى حَجَرَ الْعَقَبَةِ .
قَالَ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ ، لَمَّا رُوجِعَ فِيهِ : أَخْبَرَنِي بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَالَ فِي الْخَبَرِ الثَّانِي : أَخْبَرَنِي بِهِ أَخِي
nindex.php?page=showalam&ids=69الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ [3] .
وَأَيْضًا مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355210مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ، فَلَهُ قِيرَاطٌ " وَأَسْنَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَأَيْضًا مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355211مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ فَلَا صَوْمَ لَهُ " وَقَالَ : مَا أَنَا قُلْتُهُ ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ، وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا قَالَهُ ، فَلَمَّا رُوجِعَ فِيهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=69الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ .
وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=48الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَنَّهُ قَالَ : مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ بِهِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنْ سَمِعْنَا بَعْضَهُ ، وَحَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا بِبَعْضِهِ .
وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِرْسَالُ الْأَخْبَارِ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12354لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إِذَا حَدَّثْتَنِي فَأَسْنِدْ ، فَقَالَ : إِذَا قُلْتُ لَكَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنِي ، وَإِذَا قُلْتُ لَكَ حَدَّثَنِي
عَبْدُ اللَّهِ ، فَقَدْ حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ عَنْهُ ، وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثًا ، فَلَمَّا رُوجِعَ فِيهِ قَالَ : ( أَخْبَرَنِي بِهِ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا اشْتُهِرَ مِنْ إِرْسَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=15990ابْنِ الْمُسَيَّبِ nindex.php?page=showalam&ids=14577وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، فَكَانَ إِجْمَاعًا
[4] .
[ ص: 125 ] وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْعَدْلَ الثِّقَةَ إِذَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا ، مُظْهِرًا لِلْجَزْمِ بِذَلِكَ ، فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ إِلَّا وَهُوَ عَالِمٌ أَوْ ظَانٌّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ .
فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ظَانًّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْهُ ، أَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ ، لَمَا اسْتَجَازَ فِي دِينِهِ النَّقْلَ الْجَازِمَ عَنْهُ ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّدْلِيسِ عَلَى الْمُسْتَمِعِينَ ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَعْدِيلَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ عَالِمًا وَلَا ظَانًّا بِصِدْقِهِ فِي خَبَرِهِ
[5] .
فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ الْإِجْمَاعَ ، وَدَلِيلُهُ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ : أَمَّا الْإِجْمَالُ فَهُوَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ ، وَالْإِجْمَاعَ قَاطِعٌ ، فَلَا يُسَاعِدُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ فَهُوَ أَنَّ غَايَةَ مَا ذَكَرَ مَصِيرُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ إِلَى الْإِرْسَالِ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِ الْكُلِّ .
قَوْلُكُمْ : لَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ مُنْكِرٌ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا بَاحَثُوا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنَ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبَا هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَسْنَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا أَخْبَرَ بِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنُ سِيرِينَ : لَا نَأْخُذُ بِمَرَاسِيلِ
الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا عَدَمَ النَّكِيرِ ، فَغَايَتُهُ أَنَّهُمْ سَكَتُوا ، وَالسُّكُوتُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ ، سَلَّمْنَا الْمُوَافَقَةَ ، غَيْرَ أَنَّ الْإِرْسَالَ الْمُحْتَجَّ بِوُقُوعِهِ ، إِنَّمَا وَقَعَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ وَالتَّابِعِيَّ إِنَّمَا يَرْوِي عَنِ الصَّحَابِيِّ ، وَالصَّحَابَةُ عُدُولٌ عَلَى مَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ .
[ ص: 126 ] وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ الْمَعْقُولِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " تَعْدِيلٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْوِي الشَّخْصُ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ ، لَجَرَحَهُ ، أَوْ تَوَقَّفَ فِيهِ ، فَالرَّاوِي سَاكِتٌ عَنِ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ ، وَالسُّكُوتُ عَنِ الْجَرْحِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا ، وَإِلَّا كَانَ السُّكُوتُ عَنِ التَّعْدِيلِ جَرْحًا ; وَلِهَذَا فَإِنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ لَوْ أَرْسَلَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لِشَاهِدِ الْأَصْلِ ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
قَوْلُكُمْ : لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَانًّا لِعَدَالَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، أَوْ عَالِمًا بِهَا ، لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْزِمَ بِالرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قُلْنَا : قَدْ بَيَّنَّا إِمْكَانَ الرِّوَايَةِ عَنِ الْكَاذِبِ ، وَالْجَزْمَ بِالرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَعَ تَجْوِيزِ كَذِبِ الرَّاوِي ، وَذَلِكَ قَادِحٌ فِي الرِّوَايَةِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَزْمُ ، فَلَيْسَ حَمْلُ قَوْلِهِ : ( قَالَ ) عَلَى مَعْنَى ( أَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ ) أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ( أَنِّي سَمِعْتُ أَنَّهُ قَالَ ) وَلَوْ حُمِلَ عَلَى ( أَنِّي سَمِعْتُ أَنَّهُ قَالَ ) لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَعْدِيلًا ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ بِرِوَايَتِهِ مُدَلِّسًا وَلَا مُلَبِّسًا .
سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِرْسَالَ تَعْدِيلٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ التَّعْدِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذِكْرِ أَسْبَابِ الْعَدَالَةِ كَافٍ فِي التَّعْدِيلِ كَمَا سَبَقَ .
سَلَّمْنَا أَنَّ مُطْلَقَ التَّعْدِيلِ كَافٍ ، لَكِنْ إِذَا عُيِّنَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِفِسْقٍ ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ ، فَلَعَلَّهُ اعْتَقَدَهُ عَدْلًا فِي نَظَرِهِ ، وَلَوْ عَيَّنَهُ لَعَرَفْنَا فِيهِ فِسْقًا لَمْ يَطَّلِعِ الْمُعَدِّلُ عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا لَمْ يُقْبَلْ تَعْدِيلُ شَاهِدِ الْفَرْعِ لِشَاهِدِ الْأَصْلِ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِهِ .
سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى التَّعْدِيلِ ، لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّعْدِيلِ ، وَبَيَانُهُ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ .
الْأَوَّلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ بِعَيْنِ الرَّاوِي آكَدُ مِنَ الْجَهْلِ بِصِفَتِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ جُهِلَتْ ذَاتُهُ فَقَدْ جُهِلَتْ صِفَتُهُ ، وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَكْسِ ، وَلَوْ كَانَ مَعْلُومَ الْعَيْنِ ، مَجْهُولَ الصِّفَةِ ، لَمْ يَكُنْ خَبَرُهُ مَقْبُولًا ، فَإِذَا كَانَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ وَالصِّفَةِ ، أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ خَبَرُهُ مَقْبُولًا .
الثَّانِي : أَنَّ مِنْ شَرْطِ قَبُولِ الرِّوَايَةِ الْمَعْرِفَةَ بِعَدَالَةِ الرَّاوِي ، وَالْمُرْسِلُ لَا يَعْرِفُ عَدَالَةَ الرَّاوِي لَهُ ، فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ مَقْبُولًا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ .
الثَّالِثُ : هُوَ أَنَّ الْخَبَرَ كَالشَّهَادَةِ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِرْسَالَ فِي الشَّهَادَةِ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِهَا فَكَذَلِكَ الْخَبَرُ .
[ ص: 127 ] الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعَمَلُ بِالْمَرَاسِيلِ ، لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ وَالْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ مَعْنًى .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَرَاسِيلِ لَزِمَ فِي عَصْرِنَا هَذَا أَنْ يُعْمَلَ بِقَوْلِ الْإِنْسَانِ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَذَا " وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ الرُّوَاةُ ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ .
السَّادِسُ : أَنَّ الْخَبَرَ خَبَرَانِ : تَوَاتَرٌ وَآحَادٌ ، وَلَوْ قَالَ الرَّاوِي " أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أُحْصِيهِمْ عَدَدًا " لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّوَاتُرِ ، فَكَذَلِكَ فِي الْآحَادِ .
وَالْجَوَابُ قَوْلُهُمُ : الْإِجْمَاعُ لَا يُسَاعِدُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ، قُلْنَا : الَّذِي لَا يُسَاعِدُ إِنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الْقَاطِعُ فِي مَتْنِهِ وَسَنَدِهِ ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فَظَنِّيٌّ ، فَلَا يُمْتَنَعُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَالظَّاهِرِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
قَوْلُهُمْ : لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْإِنْكَارِ ، قُلْنَا : الْأَصْلُ عَدَمُهُ .
قَوْلُهُمْ : إِنَّهُمْ بَاحَثُوا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنَ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبَا هُرَيْرَةَ ، قُلْنَا : الْمُرَاجَعَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِ الْإِرْسَالِ
[6] بَلْ غَايَتُهُ طَلَبُ زِيَادَةِ عِلْمٍ لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً بِالْإِرْسَالِ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنِ سِيرِينَ لَيْسَ إِنْكَارًا لِلْإِرْسَالِ مُطْلَقًا ، بَلْ إِرْسَالُ
الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ لَا غَيْرَ لِظَنِّهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا فِي ذَلِكَ تَعْدِيلَ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ
[7] .
وَلِهَذَا قَالَ فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ ، لَا عَلَى الْإِرْسَالِ .
قَوْلُهُمْ : السُّكُوتُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ ، قُلْنَا : وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا قَطْعًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا ظَنًّا ، كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ
[8] .
قَوْلُهُمْ : نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ إِرْسَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيِنَ حُجَّةٌ ، قُلْنَا : إِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ ، أَنْ لَوْ كَانُوا لَا يَرْوُونَ إِلَّا عَنِ الصَّحَابِيِّ الْعَدْلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ بَعْدَ الْإِرْسَالِ حَدَّثَنِي بِهِ رَجُلٌ عَلَى بَابِ
عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِيمَا أَرْسَلَهُ حَدَّثَنِي بِهِ بَعْضُ الْحَرَسِيَّةِ .
[ ص: 128 ] قَوْلُهُمْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّاوِي " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ " تَعْدِيلٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، قُلْنَا دَلِيلُهُ مَا سَبَقَ .
قَوْلُهُمْ : إِنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَرْوِي عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ لَجَرَّحَهُ أَوْ عَدَّلَهُ ، قُلْنَا : ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إِذَا كَانَ قَدْ عَيَّنَ الرَّاوِي ، وَوَكَلَ النَّظَرَ فِيهِ إِلَى الْمُجْتَهِدِينَ ، وَلَمْ يَجْزِمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ فُلَانٌ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْزِمُ بِقَوْلِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عَدَالَةَ الرَّاوِي عَلَى مَا سَبَقَ
[9] .
وَأَمَّا إِرْسَالُ الشَّهَادَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهَا عَدَمُ قَبُولِ الْإِرْسَالِ فِي الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدِ اعْتُبِرَ فِيهَا مِنَ الِاحْتِيَاطِ مَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ .
قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْجَزْمَ مَعَ تَجْوِيزِ كَذِبِ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ كَذِبٌ ، قُلْنَا : إِنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا ، إِنْ لَوْ ظُنَّ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ ذَلِكَ مَعَ ظَنِّ الصِّدْقِ ، فَلَا يَكُونُ كَاذِبًا ، وَإِنِ احْتَمَلَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ كَاذِبًا ، كَمَا لَوْ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ الْعَنْعَنَةِ .
قَوْلُهُمْ : سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنَ الرَّاوِي تَعْدِيلٌ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، لَكِنَّهُ تَعْدِيلٌ مُطْلَقٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مُوجِبَةً لِلْعَمَلِ بِهِ عَلَى الْغَيْرِ ، قُلْنَا : قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّعْدِيلَ الْمُطْلَقَ دُونَ تَعْيِينٍ سَبَبُهُ كَافٍ فِيمَا تَقَدَّمَ
[10] .
قَوْلُهُمْ لَعَلَّهُ : اعْتَقَدَهُ عَدْلًا وَلَوْ عَيَّنَهُ لَعَرَفْنَا فِيهِ فِسْقًا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُعَدِّلُ ، قُلْنَا : وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمَلًا ، غَيْرَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُهُ
[11] وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَعْدِيلِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ بِأَحْوَالِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ، وَعَدَمِ الظَّفَرِ بِمَا يُوجِبُ الْجَرْحَ .
وَأَمَّا اعْتِبَارُ الرِّوَايَةِ بِالشَّهَادَةِ ، فَقَدْ عُرِفَ وَجْهُ الْفَارِقِ فِيهِمَا ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى ، فَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ يَلْزَمُ مِنَ الْجَهْلِ بِعَيْنِ الرَّاوِي ، الْجَهْلُ بِصِفَتِهِ مُطْلَقًا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الْإِرْسَالَ يَدُلُّ عَلَى تَعْدِيلِهِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ ، وَإِنْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ
[ ص: 129 ] وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الثَّانِيَةِ .
وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الثَّالِثَةُ ، فَقَدْ عُرِفَ جَوَابُهَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ .
وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الرَّابِعَةُ ، فَجَوَابُهَا بِبَيَانِ فَائِدَةِ ذِكْرِ الرَّاوِي ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ، فَيُعَيِّنُهُ لِيَكِلَ النَّظَرَ فِي أَمْرِهِ إِلَى الْمُجْتَهِدِ ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أُرْسِلَ .
الثَّانِي : أَنَّهُ إِذَا عُيِّنَ الرَّاوِي ، فَالظَّنُّ الْحَاصِلُ لِلْمُجْتَهِدِ بِفَحْصِهِ بِنَفْسِهِ عَنْ حَالِهِ يَكُونُ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ لَهُ بِفَحْصِ غَيْرِهِ .
وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الْخَامِسَةُ فَمُنْدَفِعَةٌ أَيْضًا ، فَإِنَّهُ مَهْمَا كَانَ الْمُرْسِلُ لِلْخَبَرِ فِي زَمَانِنَا عَدْلًا ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْحُفَّاظُ ، فَهُوَ حُجَّةٌ .
وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ السَّادِسَةُ ، فَإِنَّمَا لَمْ يَصِرِ الْخَبَرُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مُتَوَاتِرًا ; لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْهِ وَوَسَطِهِ ، وَالْوَاحِدُ لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَلَا يَحْصُلُ بِخَبَرِهِ التَّوَاتُرُ .
وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرْسَلَ مَقْبُولٌ مِنَ الْعَدْلِ ، فَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790كَالشَّافِعِيِّ ، فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إِنَّهُ يَكُونُ مَقْبُولًا إِذَا أَسْنَدَهُ غَيْرُ الْمُرْسِلِ أَوْ أَسْنَدَهُ الْمُرْسِلُ مَرَّةً ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِسْنَادِ ، لَا عَلَى الْإِرْسَالِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ : إِنَّهُ يَكُونُ مَقْبُولًا إِذَا أَرْسَلَهُ اثْنَانِ ، وَكَانَتْ مَشَايِخُهُمَا مُخْتَلِفَةً ; لِأَنَّ ضَمَّ الْبَاطِلِ إِلَى الْبَاطِلِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَبُولِ ، وَلَيْسَ بِحَقٍّ ; لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِصِدْقِ الرَّاوِي مِنَ الْإِرْسَالِ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَقْوَى مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِهَا .
وَعَلَى هَذَا ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِأَضْعَفِ الظَّنَّيْنِ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ بِأَقْوَاهُمَا ، وَإِذَا عُرِفَ الْخَبَرُ الْمَقْبُولُ وَغَيْرُ الْمَقْبُولِ ، فَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ مَقْبُولَانِ ، فَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرْجِيحِ . وَسَيَأْتِي فِي قَاعِدَةِ التَّرْجِيحَاتِ بِأَقْصَى الْمُمْكِنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .