[ ص: 73 ] الشرط الثاني : أن . يكون مسلما
وذلك ؛ لأن الكافر إما أن لا يكون منتميا إلى الملة الإسلامية ، كاليهودي والنصراني ( ونحوه ) أو هو منتم إليها كالمجسم .
فإن كان الأول فلا خلاف في امتناع قبول روايته ، لا لما قيل من أن الكفر أعظم أنواع الفسق ، . والفاسق غير مقبول الرواية فالكافر أولى
وذلك لأن الفاسق إنما لم تقبل روايته لما علم من جرأته على فعل المحرمات مع اعتقاد تحريمها ، وهذا المعنى غير متحقق في حق الكافر ، إذا كان مترهبا عدلا في دينه معتقدا لتحريم الكذب ، ممتنعا منه حسب امتناع العدل المسلم .
وإنما الاعتماد في امتناع قبول روايته على إجماع الأمة الإسلامية على ردها سلبا لأهلية هذا المنصب الشريف عنه لخسته [1] .
وإن كان الثاني ، فقد اختلفوا فيه :
فمذهب أكثر أصحابنا ، كالقاضي أبي بكر والغزالي من والقاضي عبد الجبار المعتزلة ، [2] ، أنه مردود الرواية .
وقال أبو الحسين البصري : إن كان ذلك ممن اشتهر بالكذب والتدين به لنصرة مذهبه ، فلا تقبل روايته لعدم الوثوق بصدقه ، وإن كان متحرجا في مذهبه متحرزا عن الكذب حسب احتراز العدل عنه ، فهو مقبول الرواية لأن صدقه ظاهر مظنون .
والمختار رده لا لما قيل من إجماع الأمة على رده ، ولا لقياسه على الكافر الخارج عن الملة بواسطة اشتراكهما في الكفر المناسب لسلب أهلية هذا المنصب عنه ، إذلالا له .
[ ص: 74 ] أما الأول فلأن للخصم منع اتفاق الأمة على رد قول الكافر مطلقا ، ولا سبيل إلى الدلالة عليه ، والقياس على الكافر الخارج عن الملة متعذر من جهة أن كفره أشد وأغلظ وأظهر من كفر من هو من أهل القبلة ، لكثرة مخالفته للقاعدة الإسلامية أصولا وفروعا بالنسبة إلى مخالفة المتأول لها .
فكان إذلاله بسلب هذا المنصب عنه أولى ، ومع هذه الأولوية ، فلا قياس .
بل الواجب الاعتماد في ذلك على قوله تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ) أمر بالتثبت عند إخبار الفاسق ، والكافر فاسق ؛ لأن الكفر أعلى درجات الفسق .
وإذا كان فاسقا ، فالآية إن كانت عامة بلفظها في كل فاسق ، فالكافر داخل تحتها ، وإن لم تكن عامة بلفظها في كل فاسق ، فهي عامة بالنظر إلى المعنى المومى إليه ، وهو الفسق من حيث إنه رتب رد الخبر على كون الآتي به فاسقا مطلقا في كلام الشارع مع مناسبته له ، فكان ذلك علة للرد ، وهو متحقق فيما نحن فيه .
فإن قيل المرتب عليه رد الأخبار إنما هو مسمى الفاسق ، وهو في عرف الشرع خاص بمن هو مسلم صدرت منه كبيرة ، أو واظب على صغيرة فلا يكون متناولا للكافر .
وإن سلمنا تناوله للكافر ، غير أنه معارض بقوله صلى الله عليه وسلم " نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر " والكافر المتأول إذا كان متحرزا عن الكذب فقد ظهر صدقه ، فوجب العمل به للخبر .
والجواب عن السؤال الأول بمنع اختصاص اسم الفاسق في الشرع بالمسلم ، وإن كان ذلك عرفا للمتأخرين من الفقهاء ، وكلام الشارع إنما ينزل على عرفه ، لا على ما صار عرفا للفقهاء .
كيف وإن حمل الآية على الفاسق المسلم مما يوهم قبول خبر الفاسق الكافر على الإطلاق ، نظرا إلى قضية المفهوم ، وهو خلاف الإجماع .
ولا يخفى أن حمل اللفظ على ما يلزم منه مخالفة دليل ، أو ما اختلف في كونه دليلا على خلاف الأصل .
وعن السؤال الثاني أن العمل بما ذكرناه أولى ، لتواتره وخصوصه بالفاسق ، متفق على تخصيصه ومخالفته ، وما ذكروه آحاد ، وهو متناول للكافر [ ص: 75 ] بعموم كون خبره ظاهرا ، أو هو مخالف لخبر الكافر الخارج عن الملة ، والفاسق إذا ظن صدقه فإن خبره لا يكون مقبولا بالإجماع .