[ ص: 283 ] خاتمة
nindex.php?page=treesubj&link=21682فيما يكون الإجماع حجة فيه ، وما لا يكون ، وأن الإجماع في الأديان السالفة كان حجة أم لا .
أما الأول فهو أن المجمع عليه لا يخلو إما أن تكون صحة الإجماع متوقفة عليه ، أو لا يكون كذلك .
فإن كان الأول فالاحتجاج بالإجماع على ذلك الشيء يكون ممتنعا لتوقف صحة كل واحد منهما على الآخر وهو دور .
وذلك كالاستدلال على وجود الرب تعالى وصحة رسالة النبي عليه السلام من حيث إن صحة الإجماع متوقفة على النصوص الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ كما سبق تقريره وصحة النصوص متوقفة على وجود الرب المرسل ، وكون
محمد رسولا .
فإذا توقفت معرفة وجود الرب ورسالة رسوله
محمد على صحة الإجماع كان دورا ، وإن كان من القسم الثاني ، فالمجمع عليه إما أن يكون من أمور الدين أو الدنيا ، فإن كان من أمور الدين فهو حجة مانعة من المخالفة إن كان قطعيا من غير خلاف القائلين بالإجماع .
وسواء كان ذلك المتفق عليه عقليا كرؤية الرب لا في جهة ، ونفي الشريك لله تعالى ، أو شرعيا كوجوب الصلاة والزكاة ونحوه
[1] .
[ ص: 284 ] وأما إن كان
nindex.php?page=treesubj&link=21679المجمع عليه من أمور الدنيا كالإجماع على ما يتفق من الآراء في الحرب وترتيب الجيوش وتدبير أمور الرعية ، فقد اختلف فيه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار بالنفي والإثبات ، فقال تارة بامتناع مخالفته ، وتارة بالجواز ، وتابعه على كل واحد من القولين جماعة .
والمختار إنما هو المنع من المخالفة ، وأنه حجة لازمة ; لأن العمومات الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ ووجوب اتباعهم فيما أجمعوا عليه عامة في كل ما أجمعوا عليه .
وأما أن الإجماع في الأديان السالفة كان حجة أم لا ، فقد اختلف فيه الأصوليون ، والحق في ذلك أن إثبات ذلك أو نفيه مع الاستغناء عنه لم يدل عليه عقل ولا نقل ، فالحكم بنفيه أو إثباته متعذر .
وهذا آخر الكلام في الإجماع .
[ ص: 283 ] خَاتِمَةٌ
nindex.php?page=treesubj&link=21682فِيمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً فِيهِ ، وَمَا لَا يَكُونُ ، وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي الْأَدْيَانِ السَّالِفَةِ كَانَ حُجَّةً أَمْ لَا .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ ، أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ يَكُونُ مُمْتَنِعًا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ دَوْرٌ .
وَذَلِكَ كَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ تَعَالَى وَصِحَّةِ رِسَالَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ صِحَّةَ الْإِجْمَاعِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَصِحَّةُ النُّصُوصِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ الْمُرْسِلِ ، وَكَوْنِ
مُحَمَّدٍ رَسُولًا .
فَإِذَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ وُجُودِ الرَّبِّ وَرِسَالَةِ رَسُولِهِ
مُحَمَّدٍ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ كَانَ دَوْرًا ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي ، فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَهُوَ حُجَّةٌ مَانِعَةٌ مِنَ الْمُخَالَفَةِ إِنْ كَانَ قَطْعِيًّا مِنْ غَيْرِ خِلَافِ الْقَائِلِينَ بِالْإِجْمَاعِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عَقْلِيًّا كَرُؤْيَةِ الرَّبِّ لَا فِي جِهَةٍ ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ لِلَّهِ تَعَالَى ، أَوْ شَرْعِيًّا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِ
[1] .
[ ص: 284 ] وَأَمَّا إِنْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=21679الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يَتَّفِقُ مِنَ الْآرَاءِ فِي الْحَرْبِ وَتَرْتِيبِ الْجُيُوشِ وَتَدْبِيرِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، فَقَالَ تَارَةً بِامْتِنَاعِ مُخَالَفَتِهِ ، وَتَارَةً بِالْجَوَازِ ، وَتَابَعَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ جَمَاعَةٌ .
وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ الْمَنْعُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ ، وَأَنَّهُ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ ; لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ .
وَأَمَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي الْأَدْيَانِ السَّالِفَةِ كَانَ حُجَّةً أَمْ لَا ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْأُصُولِيُّونَ ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ أَوْ نَفْيَهُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا نَقْلٌ ، فَالْحُكْمُ بِنَفْيِهِ أَوْ إِثْبَاتِهِ مُتَعَذِّرٌ .
وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي الْإِجْمَاعِ .