ذكر الوجه الثالث الذي أجمع أهل العلم على وجوب الطهارة منه وهو الملامسة
واختلفوا في كيفية الطهارة التي تجب فيه
قال الله - جل ذكره - : ( أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا ) الآية.
أجمع أهل العلم أن الملامسة حدث ينقض الوضوء.
واختلفوا في اللمس وفيما يجب على من لمس، فقالت طائفة: الملامسة: الجماع، كذلك قال قال: الملامسة والمباشرة والإفضاء، والرفث والجماع: نكاح، ولكن الله تعالى كنى. عبد الله بن عباس،
وروينا عن أنه قال: اللمس الجماع، ولكن الله تعالى كنى عنه. علي بن أبي طالب
وهذا قول عطاء بن أبي رباح، والحسن البصري.
[ ص: 228 ]
6 - قال: حدثنا محمد بن نصر، قال: نا قال: نا يحيى بن يحيى، هشيم، عن أشعث، عن عن الشعبي، علي، قال: اللمس هو الجماع، ولكن الله كنى عنه.
7 - قال: حدثنا قال: نا علي بن عبد العزيز، الحجاج، قال: نا حماد، قال: أخبرني عن عاصم الأحول، عكرمة، عن قال: ابن عباس، الملامسة، والمباشرة، والإفضاء، والرفث، والجماع: نكاح، ولكن الله كنى.
8 - قال: حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، قال: نا قال: نا علي بن عثمان اللاحقي، داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن عن سعيد بن جبير، قال: ابن عباس، . "الملامسة هي الجماع"
[ ص: 229 ]
9 - قال: حدثنا قال: نا موسى بن هارون، قال: نا أبو بكر، حفص، عن عن الأعمش، حبيب، عن عن سعيد بن جبير، ابن عباس، أو لامستم النساء ) قال: "هو الجماع" . (
وقالت طائفة: اللمس ما دون الجماع، كذلك قال وقال عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عمر: من قبل امرأته أو جسها، بيده فعليه الوضوء.
10 - قال: أنا الربيع، قال: أنا قال: أخبرنا الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، سالم، عن أبيه، قال: قبلة الرجل امرأته، وجسها بيده، ملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده، فعليه الوضوء.
11 - قال: حدثنا قال: ثنا الحسن بن علي بن عفان، ابن نمير، عن عن الأعمش، إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، قال: . "القبلة من اللمس فيها الوضوء"
[ ص: 230 ]
12 - قال: حدثنا (قال: نا عبيد الله بن معاذ، أبي) قال: نا عن شعبة، مخارق، عن عن طارق بن شهاب، قال: "الملامسة ما دون الجماع" . عبد الله بن مسعود،
واختلفوا في فقالت طائفة: فيها الوضوء، كذلك قال الوضوء من القبلة، وروي ذلك عن ابن عمر، ابن مسعود.
13 - قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، سالم، أن كان يقول: ابن عمر، من قبل امرأته وهو على وضوء؛ أعاد الوضوء.
14 - قال: حدثنا عن إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، إبراهيم، عن أبي عبيدة، أن قال: "يتوضأ الرجل من المباشرة، ومن اللمس بيده، ومن القبلة إذا قبل امرأته"، وكان يقول في هذه الآية ( ابن مسعود أو لامستم النساء ) قال: "هو الغمز" .
[ ص: 231 ] وممن رأى في القبلة الوضوء: الزهري، وعطاء بن السائب، ومكحول، والشعبي، والنخعي، ويحيى الأنصاري، وزيد بن أسلم، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، والشافعي.
وفيه قول ثان : وهو أن كذلك قال لا وضوء في القبلة ابن عباس، وطاوس، والحسن، ومسروق، وعطاء بن أبي رباح.
وفيه قول ثالث: وهو أن إيجاب هذا قول الوضوء على من قبل لشهوة، وإسقاطه عمن قبل لرحمة أو لغير شهوة، النخعي، والشعبي، والحكم، و[ حماد ] ، وبه قال مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه.
وفي المسألة قول رابع: وهو أن الرجل وعليه أن يعيد الوضوء، هذا قول إذا قبل امرأته لشهوة، أو لمسها لشهوة ، أو لمس فرجها لشهوة لم ينقض وضوءه، فإن باشرها [ ص: 232 ] لشهوة وليس بينهما ثوب نقض وضوءه، النعمان، ويعقوب.
وقال محمد: لا وضوء عليه حتى يخرج منه مذي أو غيره.
وفيه قول خامس: روي عن عطاء، وهو: إن قبل حلالا فلا إعادة عليه، وإن قبل حراما أعاد الوضوء.
قال وقد احتج بعض من يوجب من اللمس والقبلة الوضوء بظاهر قوله تعالى ( أبو بكر: أو لامستم النساء ) ، قال: جائز أن يقال لمن قبل امرأته، أو لمسها بيده، قد لمس فلان زوجته، ويدل على أن اللمس قد يكون باليد قوله تعالى: ( فلمسوه بأيديهم ) ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الملامسة، وهي لمس الرجل الثوب بيده، فظاهر الكتاب والسنة واللغة يدل على أن اللمس يكون باليد وغيرها.
وقال بعد أن تلا الآية قال: فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة، وإنما ذكرها [ موصولة ] بالغائط بعد ذكره بالجنابة، فأشبهت الملامسة أن تكون اللمس باليد، والقبلة غير الجنابة. الشافعي
[ ص: 233 ] واحتج (بعض) من يخالفهم، فقال: جائز في اللغة أن يقال لمن لمس امرأته بيده: قد لمسها، ولكن أو لامستم النساء ) الجماع الموجب للجنابة دون غيره، استدللنا على ذلك بكتاب الله عز وجل وبالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالنظر. الملامسة التي ذكرها الله في قوله: (
فأما الكتاب الذي يدل على معنى ما ذكرناه فقوله: ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ) ، يعني وقد أحدثتم قبل ذلك، ( فاغسلوا وجوهكم ) ، فأوجب الله عز وجل غسل الأعضاء التي ذكرها بالماء ثم قال: ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) يريد الاغتسال بالماء، فأوجب الوضوء من الأحداث، والاغتسال بالماء من الجنابة، ثم قال: ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء ) يريد الجماع الذي يوجب الجنابة، ( فلم تجدوا ماء ) تتوضؤون به من الغائط أو تغتسلون به من الجنابة، كما أمرتكم به في أول الآية، ( فتيمموا ) ، فإنما أوجب في آخر الآية التيمم على ما كان أوجب عليه الوضوء والاغتسال بالماء في أولها.
فأما قول من قال: إن الله تعالى لما ذكر طهارة الجنب في أول الآية ثم ذكر الملامسة في آخر الآية موصولا بالغائط، استدللنا بذلك على أنها غير الجنابة، فإنما كان يكون ما قالوا دليلا، لو كان أوجب على الملامس في آخر الآية الطهارة التي أوجبها على الجنب في أولها، فكان يكون [ ص: 234 ] حينئذ ذلك دليلا على أن اللمس غير الجنابة؛ لأنه قد أوجب الطهارة من الجنابة في أول الآية، فلم يكن إعادة إيجاب الطهارة منها في آخرها معنى يصح، ولكنه إنما أوجب عليه في أول الآية الاغتسال بالماء، وأوجب عليه في آخرها التيمم بدلا من الماء، إذا كان مسافرا لا يجد الماء، أو مريضا، فهذا المعنى أصح وأبين - والله أعلم.
واحتج بعضهم بحديث عائشة.
15 - قال: حدثنا على بن الحسن، قال: نا قال: أنا يحيى بن يحيى، عن وكيع، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قال: قلت: ما هي إلا أنت، فضحكت.
[ ص: 235 ] قال ويقال إن أبو بكر: لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت عروة شيئا.
وقال بعضهم: للملامسة نظائر في الكتاب، من ذلك المباشرة، واللمس والمس واحد في المعنى، قال الله تعالى: ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) الآية، وقال: ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) وقال: ( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ) فذكر - جل ذكره - المسيس في هذه الآيات واللمس [ والمس ] والملامسة والمماسة.
وقد أجمع أهل العلم على أن رجلا لو تزوج امرأة [ ثم مسها ] بيده، أو قبلها بحضرة جماعة، ولم يخل بها فطلقها، أن لها نصف الصداق إن كان سمى لها صداقا، والمتعة إن لم يكن سمى لها صداقا، ولا عدة عليها.
[ ص: 236 ] فدل إجماعهم على ذلك أن الله أراد في هذه الآيات الجماع، فإذا كان كذلك حكمنا للمس بحكم المس إذا كانا في المعنى واحدا.
قال وقد أبو بكر: إلا ما ذكر من أحد قولي أجمع كل من حفظ عنه من أهل العلم على أن لا وضوء على الرجل إذا قبل أمه، أو ابنته، أو أخته إكراما [ لهن ] وبرا، عند قدوم من سفر، أو مس بعض بدنه بعض بدنها عند مناولة شيء إن ناولها فإن بعض المصريين من أصحابه حكى عنه في المسألة قولين: أحدهما إيجاب الوضوء منه، والآخر كقول سائر أهل العلم، ولم أجد هذه المسألة في كتبه المصرية التي قرأناها على الشافعي: الربيع، ولست أدري أيثبت ذلك عن أم لا؛ لأن الذي حكاه لم يذكر أنه سمعه منه، ولو ثبت ذلك عنه لكان قوله الذي يوافق فيه المدني والكوفي وسائر أهل العلم أولى به. الشافعي
[ ص: 237 ] وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص.
16 - قال: حدثنا قال: نا محمد بن عبد الوهاب، قال: نا خالد بن مخلد، عن مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عمرو بن سليم الزرقي، عن أبي قتادة، قال: أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر: دليل على صحة قول عوام أهل العلم، إذ معلوم متعارف أن من حمل صبية صغيرة لا يكاد يخلو أن يمس بدنه بدنها - والله أعلم - مع [ أن ] إيجاب الطهارة من ذلك فرض، والفرائض لا يجوز إيجابها إلا بحجة، أمامة بنت أبي العاص، ولو كان ذلك حدثا ينقض الطهارة ويوجب الوضوء، لتكلم فيه أهل العلم، كما تكلموا في ملامسة الرجل امرأته، وقبلته إياها. وما زال الناس في القديم والحديث يتعارفون أن يعانق الرجل أمه وجدته، [ ويقبل ] ابنته في حال الصغر [ قبلة ] الرحمة، ولا يرون ذلك ينقض الطهارة، ولا يوجب وضوءا عندهم،
[ ص: 238 ]