ذكر نفي المحارب
قال الله عز وجل: ( أو ينفوا من الأرض ) فاختلف أهل العلم في نفي المحارب، فقالت طائفة: ينفيه من عمله. روي عن أنه قال: ينفى من بلده إلى بلد غيره . ابن عباس
9102 - من حديث عن إسحاق بن راهويه، أبي أسامة، عن شبل، عن قيس بن سعد، عن عن سعيد بن جبير، قال: من خرج محاربا لله ولرسوله فلم يصب مالا ولم يقتل، وأخاف سبيل المؤمنين، فإنه ينفى من بلده إلى بلد غيره . ابن عباس
وقال ينفيه من عمله. وقال الشعبي: يحيى الأنصاري: النفي فيما بلغنا: أن يخرج من أرضه إلى أرض غيرها. وقال كان منفى الناس - من نفوا في ذلك - إلى أبو الزناد: باضع من أرض الحبشة، [ ص: 402 ] ودهلك وتلك الناحية من أقصى تهامة (باليمن) .
وكان يقول في قول الله: ( مالك بن أنس أو ينفوا من الأرض ) النفي في ذلك أن ينفى من بلد إلى بلد، ويحبس في السجن. قال ثم لا يتركه يرجع حتى يعرف منه التوبة وحسن الحال، وقال مالك: لا ينفى إلى شيء من بلدان الكفر، وحكي عن مالك: أنه قال: يطال حبسه ليس له حد، ذلك إلى السلطان باجتهاده ونظره للمسلمين، وحكى مالك عنه أنه قال: قد كان عندنا ينفى إلى ابن القاسم خيبر، وقد كان لهم حبس يحبسون فيه .
وقالت طائفة: ينفى حتى لا يقدر عليه. كذلك قال وقال الحسن البصري. ونفيه أن يطلب فلا يقدر عليه [كلما] سمع به في أرض طلب . الزهري:
وقال قول عبد الملك الماجشون: أبي، وابن دينار، والمغيرة: أن نفي المحارب إنما هو أن يطلبه الإمام. يريد إقامة حدود الله عليه فيهرب منه ويكون مشردا فارا من السلطان هاربا منه، ومن إقامة ما وجب عليه من حدود الله، فهربه وفراره من الإمام هو نفيه، وليس كما ينفى الزاني، ولكن إذا قدر عليه قبل أن يتوب أقام عليه حدود الله عز وجل . [ ص: 403 ]
9103 - وروى عن الشافعي، (أبي يحيى) [بإسناد واه] ، عن أنه قال: ونفيهم إذا هربوا أن يطلبوا حتى يؤخذوا فيقام عليهم الحدود. قال ابن عباس وبهذا نقول . الشافعي
وقال أصحاب الرأي: إذا طلب حتى يؤخذ فيقام عليه الحدود. وكذلك قال قطع الطريق وقتل وأصاب المال وقال أبو ثور. نفيه طلبه من بلد إلى بلد حتى يأخذه، أو يخرجه طلبه إلى دار الشرك والحرب إذا كان محاربا مرتدا عن الإسلام . الليث بن سعد:
قال وقال بعض أهل النظر: غير جائز أن يكون النفي هو طلبه إلى أن يقدر عليه، وإنما يجب عليه نفيه بعد أخذه إياه، وإذا كان هكذا فليس يخلو قوله: ( أبو بكر: أو ينفوا من الأرض ) أن يكون أراد جميع الأرض أو بعض الأرض، فاستحال أن يكون أراد نفيه من جميع الأرض، لأن ذلك غير ممكن، وثبت أن معناه أن ينفى من بعض الأرض، وإذا كان ذلك كذلك، فالمعروف ما جاء به الحديث في نفي الزاني أنه ينفى من البلدة التي هو بها إلى بلدة سواها فكذلك المحارب .
وقد ثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الزنا: . [ ص: 404 ] "البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة"
وروي عن أبي بكر الصديق، أنهما نفيا إلى وعمر بن الخطاب فدك .
وعن أنه نفى إلى علي بن أبي طالب البصرة .
والذي قاله حسن، أن يحبس في البلد الذي ينفى إليه. وقال آخر: نفس الحبس هو نفي له، لأنك إذا حبسته ومنعته عن التصرف في البلاد فقد نفيته منها كلها، وألجأته إلى مكان واحد . مالك