ذكر عند من جعل حكم الآية في أهل الإسلام ما يجب على قطاع الطريق
قال أمر الله بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع شيئين: محاربة وسعيا في الأرض بالفساد، فقال جل وعز: ( أبو بكر: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا ) .... الآية، فالحكم عند أكثر أهل العلم بهذه الآية إنما يجب على من خرج من المسلمين فقطع الطريق، وأخاف السبيل، وسعى في الأرض بالفساد، وقد اختلفوا فيما يجب على من فعل ذلك، فقالت طائفة: تقام عليهم الحدود على قدر أفعالهم. فممن روي عنه هذا المذهب قال: إذا خرج الرجل محاربا فأخاف السبيل، وأخذ المال، قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب، وإذا قتل ولم يأخذ المال قتل، وإن هو لم يأخذ المال ولم يقتل نفي . ابن عباس
9098 - حدثنا قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، أبو عبيد، قال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عن عطية العوفي، قال: إذا خرج الرجل محاربا... [ ص: 395 ] ابن عباس
وقد روي معنى هذا القول عن جماعة منهم أبو مجلز، وقتادة، وعطاء الخراساني، وكان والنخعي. يقول: إذا أخاف السبيل فشهر سلاحه، وقتل ولم يصب مالا [قتل] ، فإن قتل وأخذ مالا صلب فقتل مصلوبا، وإن هو شهر السلاح، وأخاف السبيل، وأخذ المال، ولم يقتل أحدا، ولم يصب دما قطع من خلاف . الأوزاعي
وكان يقول: تقام عليهم الحدود باختلاف أفعالهم، من قتل منهم وأخذ مالا قتل وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل، ودفع إلى أوليائه يدفنونه، ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت، ثم رجله اليسرى ثم حسمت في مكان واحد وخلي، ومن حضر وكثر وهيب أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس . الشافعي
وقال أحمد: وقال أصحاب الرأي: إذا قتلوا وأخذوا المال تقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى من خلاف، ويقتلهم أو يصلبهم إن شاء، فإن أصابوا الأموال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ولا يقتلوا، فإن قتلوا ولم يصيبوا مالا يقتلون، ولا تقطع أيديهم وأرجلهم . من قتل يقتل، ومن أخذ المال يقطع.
وقالت طائفة: الإمام مخير في الحكم على المحاربين يحكم عليهم بأي الأحكام التي أوجبها الله في الآية من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي لظاهر قول الله ( أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم [ ص: 396 ] وأرجلهم من خلاف ) روي عن خلاف الرواية الأولى وهو أن إمام المسلمين فيه بالخيار، إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، ثم قال: ( ابن عباس أو ينفوا من الأرض ) يقول: أو يهربوا يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب، وإن تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فإن الله غفور رحيم .
9099 - حدثنا علان بن المغيرة، قال: حدثنا قال: حدثني عبد الله بن صالح، معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن وقوله: ( ابن عباس إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) قال: من فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجله، ثم قال: ( شهر السلاح في قبة الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظهر به وقدر عليه، أو ينفوا من الأرض ) يقول: أو يهربوا، أو يخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب، وإن تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فإن الله غفور رحيم .
قال وممن روي عنه أنه كان يقول الإمام مخير فيهم، إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى، أي ذلك شاء فعل: أبو بكر: مجاهد، وعطاء، والنخعي، والحسن، والضحاك. وكان يقول: يرى فيه السلطان رأيه في القتل، والصلب، والقطع، والنفي، ويستشير في ذلك أهل العلم والرأي من أهل الفضل، ويكون ذلك إلى [ ص: 397 ] رأي الإمام واجتهاده في قدر جرمه وفساده، وليس ذلك إلى هوى الإمام، ولكن إلى اجتهاده. وقال مالك بن أنس إن الفساد في الأرض مثل القتل وذكر قوله: ( مالك: وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) ، وقال عز وجل: ( أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) قال: فقطع الطريق مثل القتل في ذلك. وكان يقول: الإمام فيهم مخير على ظاهر الآية ويلزمهم هذا الاسم بالخروج والتوجه، وقد يقال حج الناس، وغزا الناس، وإن لم يقاتلوا، ولم يبلغوا البيت . أبو ثور
قال وقد احتج بعض من هذا مذهبه أن المعروف المفهوم من كلام العرب، إذا قال الرجل لآخر افعل كذا أو كذا أو كذا، أن المأمور مخير يفعل ما شاء من تلك الأشياء، لو أن رجلا دفع ثوبا إلى رجل فقال: ادفع هذا الثوب إلى زيد أو عمرو، أيهما دفع إليه كان جائزا، وكذلك لو [قال] : أعتق عبدي هذا أو هذا، فهو كذلك مخير قال: ونظير آية المحاربين قوله: ( أبو بكر: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمره أن يحلق رأسه، أن يصوم ثلاثة أيام، أو يطعم ستة مساكين، أو ينسك شاة قال: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، وكذلك [ ص: 398 ] قوله: ( كعب بن عجرة فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ) .
وأجمع أهل العلم في فدية الأذى، وفي كفارة اليمين أن الخيار فيه قائم للمكفر. قال: فكذلك المحارب الإمام فيه مخير كما كان الحانث والحالق في الإحرام للعلة مخيرا، لأن الأوات في هذه الآيات مخرجها واحد، وكذلك يجب أن يكون حكمها واحدا. وقد روينا عن وغيره أنهم قالوا: ما كان في القرآن أو أو فصاحبه بالخيار . ابن عباس
9100 - حدثنا عن إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، ليث، عن مجاهد، عن قال: كل شيء في القرآن "أو أو" فهو مخير، وكل شيء "فمن لم يجد" فهو الأول فالأول . ابن عباس
وقال بعض من يرى أن لا يتجاوز ذلك. قال: لما كانت جنايات المحاربين مختلفة متفاوتة، وكانت الآية تحتمل التأويل لم يجز أن يقتل من لم يقتل وأخاف الطريق، ويزال القتل عن من قتل وأخذ المال، بل الدماء محرمة بالكتاب والسنة والاتفاق قبل المحاربة، ولا يجوز إباحة ما هو محرم بالكتاب والسنة والاتفاق إلا بكتاب أو سنة أو إجماع، وقد يجوز أن يكون الله إنما خبر أن جزاءهم أن يفعل بهم خصلة من هذه الخصال على قدر جرمهم، وقال بهذا المعنى المحارب إنما يعاقب على قدر فعله وهو أصح الروايتين عنه، وهو [ ص: 399 ] من العلم بالقرآن واللغة بحيث لا يجوز دفعه عنه، وبه قال جماعة من علماء الأمصار، والحجة البينة القاطعة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس وفيه دليل على أن لا قتل إلى على من قتل، والله أعلم. وأما قوله: ( "لا يحل دم امرئ مسلم إلا [بإحدى] ثلاث" من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس ) .... الآية، فإنما هو شيء أخبر الله عز وجل أنه كتبه على بني إسرائيل، وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالذي هو لازم لنا واجب علينا، أن لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، فعلينا أن نتبع ما أوجبه الرسول صلى الله عليه وسلم علينا، فكان على بني إسرائيل ما ذكره الله أنه (كتبه) عليهم .