الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولاً أن الحكم على شخص معين بالكفر إن فعل مكفراً، ليس بالأمر الهين؛ لما سوف يرتب على ذلك من آثار، وقد سبق أن بينا حكم تكفير المعين، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4132 // 52765 // 53784 // 53835.
أما بخصوص هذا الكلام الذي قاله هذا الشاب، فهو خطير جدا، ففيه نفي لحكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، على هؤلاء بالكفر، قال الله تعلى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ {البينة:1}، وانظر الفتويين التاليتين: 327631 // 150807. من هنا اعتبر العلماء هذا القول كفرا صريحا، ولا ينفع قائلَه كونه يريد إغاظة أحد الجالسين، فإن مثل هذا ليس عذرا يسوغ النطق بالكفر الصريح، وقد قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {التوبة:65}.
قال ابن العربي -رحمه الله-: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدًّا أو هزلًا، وهو كيفما كان، كفر؛ فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: فقد أخبرهم أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب. انتهى.
وقال الشيخ بكر أبو زيد في (المعجم المناهي اللفظية): "أهل الكتاب ليسوا كفارا" هذا القول كفر صريح، ومعتقِده مرتد عن الإسلام؛ قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70]، وقال -سبحانه-: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والحكم بكفر من لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل الكتاب، من الأحكام القطعية في الإسلام، فمن لم يكفرهم فهو كافر؛ لأنَّه مكذِّب لنصوص الوحيين الشريفين. اهـ.
فعليك أن تنصح هذا الشاب بالتوبة إلى الله مما قال، وألا يعود إليه، وأن يندم على فعله هذا ندامة كلية.
وما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- كلام صحيح بلا شك، وأما التسرع في التكفير، فإن مخاطره عظيمة، لا تقل عن مخاطر التكفير نفسه. ومن ثم فأنت محسن بتركك هذا الأمر، وتوقيك له.
والله أعلم.