السؤال
أريد جواباً شافياً حول صفات الله والتي إذا جهلها المرء كان كافرا وهل هي الصفات السبع كما يقول الأشاعرة وغيرهم، أرجو منكم الجواب فضيلة الشيخ، لأنه شيء حيرني وأتعبني؟ وجزاكم الله خيراً.
أريد جواباً شافياً حول صفات الله والتي إذا جهلها المرء كان كافرا وهل هي الصفات السبع كما يقول الأشاعرة وغيرهم، أرجو منكم الجواب فضيلة الشيخ، لأنه شيء حيرني وأتعبني؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن جاهل الصفة لا يكفر ما دام مصدقاً بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، وهو الذي رجع إليه أخيراً أبو الحسن الأشعري كما ذكر ذلك سلطان العلماء العز ابن عبد السلام في كتابه القيم قواعد الأحكام في مصالح الأنام وقال النووي في شرح مسلم:وقد اختلف العلماء في تكفير جاهل الصفة قال القاضي: وممن كفره بذلك ابن جرير الطبري وقاله أبو الحسن الأشعري أولاً وقال آخرون لا يكفر بجهل الصفة ولا يخرج به عن اسم الإيمان بخلاف جحودها وإليه رجع أبو الحسن الأشعري وعليه استقر قوله...انتهى.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: وأما قوله لئن قدر الله علي فقد اختلف العلماء في ذلك، فقال بعضهم هذا رجل جهل بعض صفات الله تعالى وهي القدرة قالوا ومن جهل صفة من صفات الله "عز وجل" وآمن به وعلم سائر صفاته أو أكثر صفاته لم يكن بجهله بعضها كافراً وإنما الكافر من عائد الحق لا من جهله والشواهد على هذا من القرآن كثيرة... انتهى.
ثم قال رحمه الله: والدليل على أن من جهل صفة من صفات الله تعالى لا يكون بها كافراً إذا كان مصدقاً بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وغيره سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القدر ومعناه قدم العلم أنه مكتوب عنده ما سبق في علمه وفي ذلك يجرى خلقه لا فيما يستأنف بل ما قد جف به القلم وكل صغير وكبير مسطر في اللوح المحفوظ فأعلمهم أنه ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم ومعلوم أنهم في حين سؤالهم وقبله كانوا مؤمنين. انتهى.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى: فهذا الرجل -وهو الذي أسرف على نفسه ثم أمر أبناءه عند موته بحرقه وذره في الرماذ وقصته مذكورة في الصحيحين- ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك وكل واحد من إنكار قدرة الله تعالى وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك ضالاً في هذا الظن مخطئاً فغفر الله له ذلك. انتهى.
واعلم أن منكر الصفة جاهلاً أو متأولاً لا يكفر حتى تقام عليه الحجة الشرعية التي يكفر تاركها ويزال ما عنده من شبه أو تأويل باطل، قال الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15}، وقال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا {البقرة:286}، وكل جاهل مخطئ، وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التوبة:115}.
قال ابن حزم: لأن المرء قبل أن يأتيه خبر الرسول غير ضال بشيء مما يفعله أصلاً فإنما سمى الله تعالى فعله في العبد إضلالاً بعد بلوغ البيان إليه لا قبل ذلك فصح بهذه الآية أنه تعالى يضلهم بعد أن يبين لهم. انتهى.
قال ابن تيمية تعليقاً على حديث عائشة: مهما يكتم الناس يعلمه الله، فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل يعلم الله ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب ولهذا لهزها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله. فقد تبين أن هذا القول كفر ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها. انتهى.
وقال في موضع آخر: والتحقيق في هذا أن القول قد يكون كفراً كمقالات الجهمية الذين قالوا إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة، ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر، فيطلق القول بتكفير القائل كما قال السلف من قال القرآن مخلوق فهوكافر، ومن قال إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة كما تقدم، كمن جحد وجوب الصلاة والزكاة واستحل الخمر والزنا وتأول فإن ظهور تلك الأحكام بين المسلمين أعظم من ظهور هذه، فإذا كان المتأول المخطئ في تلك لا يحكم بكفره إلا بعد البيان له واستتابته كما فعل الصحابة في الطائفة الذين استحلوا الخمر ففي غير ذلك أولى وأحرى وعلى هذا يخرج الحديث الصحيح: في الذي قال إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. وقد غفر الله لهذا مع ما حصل له من الشك في قدرة الله وإعادته إذا حرقوه. انتهى.
ومذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم في صفات الله هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فهو سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{الشورى:11}، أما مذهب الأشاعره الذين يثبتون الصفات السبع ويؤولون ما عداها فهو مذهب باطل، راجع الفتوى رقم: 50216، والفتوى رقم: 15695.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني