الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد خاض كثير من الناس في هذه المسألة وشرقوا وغربوا، فمنهم من قال: إن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك، وهذا لم يصح عن أحد من أهل الحديث، وقد روى هذا أبو بكر الخطيب في كتاب (السابق واللاحق) وذكره أبو القاسم السهيلي في شرح السيرة بإسناد فيه مجاهيل، وذكره كذلك أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة".
قال ابن الجوزي في «الموضوعات»: هذا حديث موضوع بلا شك! والذي وضعه قليل الفهم عديم العلم؛ إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع ، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى: {فيمت وهو كافر} وقوله في الصحيح: " استأذنت ربي أن أستغفر لأبي فلم يأذن لي". اهـ.
ومثل هذه الحادثة لو وقعت لكانت مما تتوافر الدواعي على نقله،ا لأنها من أعظم الأمور خرقا للعادة وذلك من وجهين: الأول: من جهة إحياء الموتى. والثاني: من جهة الإيمان بعد الموت. فكان نقل هذا أولى من نقل غيره، فلَمَّا لم يروه أحد من الثقات، علم أنه لا يصح.
وهذا الخبر المذكور خلاف ما ثبت في السنة الصحيحة، فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ. وفي صحيح مسلم أيضاً أنه قال: استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنه في أن استغفر لها فلم يأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة. وفي المسند أن رجلا آخر قال له صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ!، أَيْنَ أُمِّي؟، قَالَ: "أُمُّكَ فِي النَّارِ"، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟، قَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي".
ومنهم من قال: إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما حكم أهل الفترة. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 49293، 10467، 103364.
والله أعلم.