الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي قال: في النار، فلما قفى دعاه، فقال إن أبي وأباك في النار.
وهذا الحديث لم ينفرد به الإمام مسلم وحده، بل هو عند عدد كبير من أهل الحديث كأبي داود، وأحمد وابن حبان والبيهقي وأبي يعلى والبزار وغيرهم... وهو حديث صحيح كما أقر ذلك أهل العلم بالحديث فقد صححه كل من مسلم وابن حبان والجوزجاني والبيهقي وابن كثير والألباني والحويني.
وفيما يخص حماد بن سلمة، فهو كما ذكرته أنت، فإن أهل العلم بالحديث قالوا إن أثبت الناس في ثابت البناني هو حمادُ بن سلمة، ومهما خالفه من أحدٍ فالقولُ قولُ حمادٍ. فقال أبو حاتم الرازي - كما في (( العلل )) (2185)-: (حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابتٍ وفي علي بن زيد). وقال أحمد بن حنبل: (حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر). وقال يحيى بن معين: (من خالف حماد بن سلمة فالقول قول حماد. قيل: فسليمانُ بن المغيرة عن ثابت؟ قال: سليمانُ ثبت، وحماد أعلم الناس بثابت).
وقال ابنُ معين مرة: (أثبت الناس في ثابت: حماد بن سلمة). وقال العقيلي في ((الضعفاء)) (2/291): (أصح الناس حديثًا عن ثابت: حماد بن سلمة)...
وقال عنه النسائي: ثقة، وقال عنه الساجي: حافظ ثقة مأمون، وقال عنه العجلي: ثقة، وقال عنه محمد بن سعد: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات...
وإذا ثبت الحديث من ناحية السند فليعلم أنه ذكر بعض أهل العلم أنه عارضة أدلة أخرى تفيد أن أهل الفترة الذين ماتوا قبل البعثة سيمتحنون في الآخرة ولا يعذبون على شرهم في الدنيا لأن الله لا يعذب الناس إلا بعد الأنذار.
واستدلوا لذلك بعدة أدلة منها قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً.{ سورة الإسراء15}.
وبقوله : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى {سورة طـه134}
وقوله تعالى:- وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.{ سورة القصص47}
وقوله تعالى:- رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. { سورة النساء165}
وقوله تعالى:- ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ. {الأنعام131}
وقوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.{ سورة المائدة19}
وقوله تعالى:وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون*أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِين*أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُون{الأنعام:155-157}
وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ.{ سورة الزمر71}
وقوله تعالى: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ*تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ{ سورة الملك6-8}
وقد رجح الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- رحمه الله هذه الأدلة القرآنية لأنها قطعية، فتقدم على ما عارضها من أحاديث الأحاد.
وقد استدل على أن قريشا لم يأتهم نذير بعدة أدلة.
قوله تعالى: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. {سورة يــس6}
وقوله تعالى:- لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ.{ سورة السجدة3}
وقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ. {سورة سبأ44}
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أنه يمكن الجمع بين هذه الأدلة وبين الحديث بأن يكون الله تعالى أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم أنهما لا يؤمنان إذا امتحنا يوم القيامة وبهذا يستوجبان النار.
وراجع تفسير ابن كثير وأضواء البيان وكتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب كلاهما للشيخ الشنقيطي فستجد في هذا الكتاب فوائد كثيرة حول الموضوع.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 33117، 61635، 49293، 3191.
والله أعلم.