الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نقف على نقل مباشر في هذه المسألة -نعني: التساهل في الآثار-، بل وقفنا على ضده؛ جاء في مجموع فتاوى شيخ الإسلام: والعلم يحتاج إلى نقل مصدق ونظر محقوق. والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله. انتهى.
فهو ينص على أنه لا بد فيما يحكى عن السلف من ثبوت اللفظ، فهذا هو الأصل، وإن لم ينص على أن هذا التثبت يكون بنفس الطريق في المنقول عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وما ذكرته صحيح من الناحية النظرية؛ فنسبة قول لصحابي، أو تابعي بإسناد محتمل، أخف من نسبة حديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ثم من الناحية العملية، تجد جمعًا من أهل العلم ممن لا يحتجون بالضعيف، قد يحتج ببعض الآثار عن الصحابة والتابعين بإسناد لا يقبل مثله في المرفوع، كما يفعل مثلًا: الموفق ابن قدامة في المغني، والإمام النووي في المجموع، لكن إذا كان الأثر هو الدليل في الباب تجد اهتماما بإسناده.
وراجع للفائدة الفتويين التاليتين: 188527، 80936.
ويمكنك الاستفادة من كتاب: ما صح من آثار الصحابة في الفقه لغلام زكريا باكستاني، ولا يعني ذلك إهمال ما لم يذكره، فقد يفوته أشياء.
ويبقى أن تسهيل العلماء في غير الحلال والحرام في الحديث يشمل آثار الصحابة بالأولى. وعليه؛ فيمكن التساهل فيها في غير الأحكام؛ قال البيهقي في دلائل النبوة: وضرب لا يكون راويه متهما بالوضع، غير أنه عرف بسوء الحفظ، وكثرة الغلط في رواياته، أو يكون مجهولا لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول. فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملًا في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولة عند الحكّام. وقد يستعمل في الدعوات، والترغيب، والترهيب، والتفسير، والمغازي، فيما لا يتعلق به حكم. سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ الحافظ يقول: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا: يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيَّ يَقُولُ: سمعت أبا الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ يقول: كان أبي يحكي عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مهدي» أنه قال: إذا روينا في الثواب، والعقاب، وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال، وإذا روينا في الحلال، والحرام، والأحكام، تشدّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال.
والله أعلم.