الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الحديث عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت أم ولد لرجل، كان له منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم، فينهاها، ولا تنتهي، ويزجرها، ولا تنزجر، فلما كان ذات ليلة، ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، فما صبر أن قام إلى مغول، فوضعها في بطنها، ثم اتكأ عليها حتى أنفذها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن دمها هدر. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
وقال الإمام إسحاق بن راهويه: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبياً من أنبياء الله تعالى، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله. اهـ.
وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم، والمنتقص له، كافر. اهـ.
وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل. انتهـى.
ولم نقف على حديث يفيد عدم قبول توبة الساب، وقد قدمنا في بعض الفتاوى السابقة ترجيح كون الساب إذا تاب إلى الله تعالى توبة خالصة، فإن الله يتوب عليه، فالتوبة تمحو المعاصي كلها حتى الشرك بالله، كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {الزمر:53 }.
لكنه اختلف هل يجب عليه القتل حداً بعد التوبة، فذهب البعض إلى أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم يجب قتله بكل حال، حتى ولو تاب توبة نصوحا، فإن سبه صلى الله عليه وسلم يتعلق به حقان: حق لله، وحق لآدمي. فأما حق الله فظاهر، وهو القدح في رسالته، وكتابه، ودينه. وكذلك حق الآدمي ظاهر، فإنه أدخل المعرة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السب، وأناله بذلك غضاضة وعارا.
وقد أقام شيخ الإسلام ابن تيمية سبعة وعشرين وجها لإثبات ذلك، والتدليل عليه، وذلك في كتابه القيم: (الصارم المسلول على شاتم الرسول) فليراجعه السائل لمزيد الفائدة.
وقد سبق التنبيه على ذلك في الفتويين: 117954، 1845.
والله أعلم.