الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر قبيح يخرج صاحبه عن الملة الإسلامية، وإذا لم يتب من سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل لردته، لكنه إذا تاب إلى الله تعالى توبة خالصة فإن الله يتوب عليه، فالتوبة تمحو المعاصي كلها حتى الشرك بالله ، لكن ذهب جماعات من أهل العلم إلى أنه يجب عليه القتل حداً بعد التوبة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: إن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فانه يجب قتله، هذا مذهب عامة أهل العلم، قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل. انتهـى .
وقال أيضاً: يقتل ولا يستتاب سواء كان مسلما أو كافرا، وقال ابن عقيل: قال أصحابنا في ساب النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا تقبل توبته من ذلك لما يدخل من المعرة بالسب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو حق لآدمي لم يعلم إسقاطه. وكذلك ذكر جماعات آخرون من أصحابنا أنه يقتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقبل توبته سواء كان مسلما أو كافرا ومرادهم بأنه لا تقبل توبته أن القتل لا يسقط عنه بالتوبة. انتهـى .
ثم قال: فقد تلخص أن أصحابنا حكوا في الساب إذا تاب ثلاث روايات إحداهن يقتل بكل حال وهي التي نصروها كلهم ودل عليها كلام الإمام احمد في نفس هذه المسالة وأكثر محققيهم لم يذكروا سواها. والثانية تقبل توبته مطلقا. والثالثة تقبل توبة الكافر ولا تقبل توبة المسلم. والمشهور عن مالك وأحمد أنه لا يستتاب ولا يسقط القتل عنه توبته. وذكر القاضي عياض أنه المشهور من قول السلف وجمهور العلماء وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي وحكي عن مالك وأحمد أنه تقبل توبته وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وهو المشهور من مذهب الشافعي. انتهـى .
وقال: وأيضا فلا ريب أن توبتهم – يعني المنافقين الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بينهم وبين الله مقبولة إذا كانت توبة صحيحة ويغفر لهم في ضمنها ما نالوه من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أبدلوه من الإيمان به وما في ضمن الإيمان به من محبته وتعظيمه وتعزيره وتوقيره واعتقاد براءته من كل ما رموه به. انتهى.
وكذلك الحكم في من سب الله تعالى فإنه يكفر ويجب قتله وفي سقوط القتل عنه بالتوبة خلاف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: من سب الله تعالى فإن كان مسلما وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر فإن الكافر يعظم الرب ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له. ثم اختلف أصحابنا وغيرهم في قبول توبته بمعنى انه هل يستتاب كالمرتد ويسقط عنه القتل إذا اظهر التوبة من ذلك بعد رفعه إلى السلطان وثبوت الحد عليه على قولين: أحدهما أنه بمنزلة ساب الرسول فيه الروايتان كالروايتين في ساب الرسول ، والثاني أنه يستتاب وتقبل توبته بمنزلة المرتد المحض .. ومن فرق بين سب الله والرسول قال سب الله تعالى كفر محض وهو حق لله وتوبة من لم يصدر منه إلا مجرد الكفر الأصلي أو الطارئ مقبولة مسقطة للقتل بالإجماع . انتهـى .
فعلم مما ذكرناه أن معنى القول بعدم قبول توبة الساب أن التوبة لا تسقط عنه القتل ، ولكن إذا تاب إلى الله تعالى توبة نصوحاً فإن توبته مقبولة عند الله إذا تحققت شروطها .
فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53} .
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 47738، 1845، 77625.
وإذا ابتلي الشخص بالوسوسة في هذه الأمور فيجب عليه الإعراض عن هذه الوساوس، وإذا لم يصدر من المسلم في حال اختياره أفعال أو ألفاظ كفرية وإنما كان الشيطان يوسوس له بصدور ذلك منه فعليه أن يعرض عن ذلك ولا يشغل نفسه به ، وليعلم أنه إن صدر منه أقوال أو أفعال كفرية بغير قصد فإنه لا يكفر به،أما إن كانت هذه الأفعال قد صدرت حال الاختيار فذلك كفر والعياذ بالله تعالى، ولكن التوبة مقبولة، والله يتوب على من تاب. وراجع فتوانا رقم: 117394 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.