الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بنعمة الإسلام والحرص على العفة والتوبة، ونسال الله أن يعفك ويطهر قلبك ويحصن فرجك وأن يفرج كربتك وكروب جميع المسلمين، وننصحك بالالتجاء إلى الله تعالى وصدق التوبة والإنابة إليه والإكثار من أعمال الخير والإحسان إلى خلق الله، فقد وعد الله التائبين المكثرين من الأعمال الصالحة بالفلاح والرحمة، فقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{النور: 31}. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً{التحريم:8}. وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنعام: 54}.
وإليك بعض التوجيهات لعل الله ينفعك بها ويجعلها عونا لك على الإقلاع عن هذا الذنب العظيم.
1-استشعار خطورة هذا الذنب وما توعد الله به أهله من العذاب في الدنيا والآخرة، واستشعار عظم جزاء أهل العفة، فقد عد الله تعالى حفظ الفروج ضمن صفات المؤمنين التي يستوجبون بها الفلاح ودخول الفردوس والخلود فيها. قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ {المؤمنون:1} ثم ذكر من صفاتهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ ثم ذكر جزاءهم فقال: أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {المؤمنون:1-11}.
وقد قرنه تعالى بالشرك وقتل النفس، وتوعد مقارفي تلك الجرائم الشنيعة بالآثام، وقد فسر عكرمة الأثام بأودية في جهنم يعذب فيها الزناة، إلا أنه مع ذلك بشر التائبين بقبول توبتهم وتبديل سيئاتهم حسنات. قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا. {الفرقان: 68-69}.
ومن أعظم مظاهر خطورة الزنى ما ثبت في الأحاديث من نفي كمال الإيمان عن فاعله. ففي الحديث: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. رواه البخاري ومسلم. وفي الحديث: إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه. رواه الحاكم والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ويضاف إلى هذا كونه من أسباب العذاب؛ ففي صحيح البخاري -في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الطويل- قال صلى الله عليه وسلم:...... فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نارا، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة.. ثم قال له الملكان:... والذي رأيت في الثقب الزناة.
ويضاف إلى هذا تذكر مخاطر الزنى الدنيوية كالإصابة بالإيدز والزهري والسفلس والسيلان والتفكك الأسري والعنوسة وانتشار الأولاد اللقطاء.
2-أكثري سؤال الله أن يعينك على العفة ويطهر قلبك ويحصن فرجك وتوجهي إلى ربك بالدعاء والطاعات بأن يحقق لك مناك وليس ذلك على الله ببعيد، فهو القائل: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{غافر: 60} وقال: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي {البقرة: 186}
ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ: هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان.
وقد روى أبو أمامة: أن فتى شابا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنى، فأقبل عليه القوم فزجروه وقالوا: مه مه، فقال: ادنه فدنا منه قريبا فجلس، فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أ حمد وصححه الأرناؤوط والألباني.
فضعي يدك على قلبك وادعي بهذا الدعاء
3 -أكثري من ذكر الله دائما فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
4-- البعد عن نظر الأجانب والخلوة بهم، وتذكري دائما قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ {النور:30]. وقوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا {الإسراء:36}.
وفي حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. وفي حديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة.، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
5-الزواج بمن تستعفين به عن الحرام ولو كان فقيرا أو استدعى الحال أن تكوني ثانية، والأحسن الزواج بمن ذكرته إن لم يكن هناك مانع شرعي أو كان فيه مشقة عليك، وإلا فالرجال سواه كثير، واعلمي أنه لا يشترط في التوبة زواجك به، واحرصي على صرف ذهنك عن هذا الرجل إن لم تتزوجي به، وقد تقدم في جواب سابق الكلام عن دواء العشق فليراجع برقم: 9360.
وان قررت تركه فلا يلزمك إخبار غيره بسوابقك، بل عليك أن تستري نفسك ولا تطلعي أحدا على ذنبك، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
ويمكن أن تعرضي نفسك بواسطة أحد محارمك على من ترتضين دينه وخلقه، واعلمي أن عرض المرأة نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه لصلاحه، أوفضله أو علمه أو غير ذلك من الأغراض المحمودة جائز شرعا ولا غضاضة فيه. فقد أخرج البخاري من حديث ثابت البناني قال: كنت عند أنس رضي الله عنه وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه قال: هي خير منك، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها. وقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب عرض ابنته حفصة على عثمان بن عفان رضي الله عنه حين تأيمت من خنيس ين حذافة السهمي رضي الله عنه. وقد عرض الرجل الصالح إحدى ابنتيه على موسى عليه الصلاة والسلام المشار إليه بقوله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ{القصص: 27}
ولا يمنعنك من زواج من ترتضى أخلاقه فقره فان الله تعهد بالعون والغنى للمتزوج طلبا للعفة وامتثالا لأمر الشرع، فقد قال الله تعالى: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32}. وقال أبو بكر رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم به من الغنى، قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور:32}. وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، يقول الله: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ. نقل ابن كثير الأثرين عنهما. وفي الحديث: ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف. رواه أحمد والترمذي والنسائي وحسنه الألباني.
6- استحضار مراقبة الله دائما، فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاستحي منه أن يراك على معصية.
7- حافظي على الصلوات المفروضة، وأكثري من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ {العنكبوت:45}.
8- أكثري من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري.
وننصحك بصحبة الأخوات الصالحات، ففتشي عنهن، واعبدي الله معهن، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
وأكثري من سماع الأشرطة الدينية، ومن ذلك (توبة صادقة) للشيخ سعد البريك، و(اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) للشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي، و(على الطريق) للشيخ علي القرني، وتجدينها وغيرها على موقع طريق الإسلام islamway.com على الإنترنت.
والله أعلم.