السؤال
أبي توفاه الله تعالى ، وأريد أن أكون ذلك الولد الصالح الذي ينفع أباه بعد موته ، فبماذا تنصحونني أن أعمل له ، وبسؤال أدق هل يجوز الصلاة عنه أو الصيام عنه ( ليس قضاء عنه)، وقراءة القرآن والتصدق وعمل الولائم وأعمال البر الأخرى،وعندما أريد أن أهب له ثواب أي عمل ، ما هي الضوابط الشرعية لأهبه ثواب العمل ، وما هي الصيغة المأثورة عند الوهب.وما رأيكم بهذه الصيغة ، " اللهم هب مثل ثواب ما قرأته لروح المصطفى صلى الله عليه وسلم ولروح أبي ولأرواح جميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ؟
بارك الله فيكم وزادكم علماً ، وصبَّركم الله على كثرة أسئلتي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع العلماء على أن الدعاء والصدقة ينتفع الميت بهما ويصله ثوابهما لحديث : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث . ومنها : وولد صالح يدعو له . واختلفوا رحمهم الله تعالى فيما عدا ذلك من الأعمال الصالحة تهدى للميت هل تنفعه ويصله ثوابها أم لا ؟ فمن قائل لا يصله منها شيء ، ومن قائل تصله جميعاً ، وممن يفرق بين الأعمال فيقول يصله بعضها ولا يصله البعض الآخر ، وقد فصل العيني رحمه الله تعالى القول في ذلك وانتصر للقائلين بوصوله فقال: قلت اختلف الناس في هذه المسألة فذهب أبو حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهما إلى وصول ثواب قراءة القرآن إلى الميت .. وقال النووي المشهور من مذهب الشافعي وجماعة أن قراءة القرآن لا تصل إلى الميت ، ولكن أجمع العلماء على أن الدعاء ينفعهم ويصلهم ثوابه لقوله تعالى : وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ {الحشر: 10 } وغير ذلك من الآيات وبالأحاديث المشهورة منها قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر لحينا وميتنا . وغير ذلك . فإن قلت هل يبلغ ثواب الصوم أو الصدقة أو العتق ؟ قلت روى أبو بكر النجار في كتاب ( السنن ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله: إن العاص بن وائل كان نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة ، وإن هشام بن العاص نحر حصته خمسين أفيجزئ عنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أباك لو كان أقر بالتوحيد فصمت عنه أو تصدقت عنه أو أعتقت عنه بلغه ذلك. وروى الدار قطني قال رجل: يا رسول الله كيف أبر أبوي بعد موتهما ؟ فقال: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك وأن تصدق عنهما مع صدقتك . وفي كتاب القاضي الإمام أبي الحسين بن الفراء عن أنس رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إذا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم ؟ قال: نعم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه . وعن سعد أنه قال يا رسول الله إن أبي مات أفأعتق عنه ؟ قال : نعم . وعن أبي جعفر محمد بن على بن حسين أن الحسن والحسين رضي الله عنهما كانا يعتقان عن علي رضي الله عنه . وفي الصحيح قال رجل يا رسول الله إن أمي توفيت أينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : نعم .
فإن قلت قال الله تعالى : وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم: 39 } وهو يدل على عدم وصول ثواب القرآن للميت ؟ قلت اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال أحدها أنها منسوخة بقوله تعالى : وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ {الطور: 21 } أدخل الآباء الجنة بصلاح الأبناء قاله ابن عباس رضي الله عنهما ، ومنها أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيد الله تعالى ما شاء قاله الحسين بن فضل ، ومنها أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه ، وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه مثل سعيه في تحصيل قراءة ولد يترحم عليه وصديق يستغفر له ، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبة أهل الدين فيكون ذلك سبباً حصل بسعيه ، حكاه أبو الفرج عن شيخه ابن الزغواني . وغير ذلك من الأقوال في تلك الآية. انتهى من عمدة القاري بتصرف يسير . وللاستزادة في ذلك انظر الفتوى رقم : 43619 ، 54695 ، 5541 .
وأما الضوابط الشرعية لذلك فهي البعد عن البدع والمحرمات والإسراف والغلو المذموم ، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتاوى المحال إليها آنفاً .
وأما سؤالك هل هنالك صيغة مأثورة في ذلك ؟ فالجواب عنه أنه لم ترد صيغة محددة كما بينا في الفتوى رقم : 21878 ، والصيغة التي ذكرتها صيغة صحيحة طيبة لما فيها من تعميم النفع ولكون بعض العلماء من الشافعية يرى أنه لا يصل إلا ثواب الدعاء ، وانظر الفتوى رقم : 33440 ، 3406 ، ولكنا ننبهك إلى أن إهداء ثواب الطاعات إلى النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل ولم يؤثر عن الصحابة الكرام وسلف الأمة. فالأولى أن يقف المرء على ما ورد من متابعته صلى الله عليه وسلم واتباع سنته والإكثار من الصلاة والسلام عليه ونحوه مما ورد ، وانظر الفتوى رقم : 2977 ، نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد إنه سميع مجيب .
والله أعلم .