السؤال
لقد حضرت البارحة محاضرة عن كيفية وجود المرأة واندماجها في المجتمع الغربي، وماذا يمكن لها أن تقدم لهذا الأخير من تعاليم الإسلام العظيمة، ولقد حز في نفسي أمر أليم لما علمت أن هناك أخوات مسلمات على حد قولهن ويقمن الصلاة ويصمن رمضان، ويتاجرن بأنفسهن في الدعارة مقابل أموال كثيرة، كانت الأخت المحاضرة مليكة حميدي وهي عضو مهم بحضور المرأة المسلمة بأوروبا ومهماتها الواجبة عليها تحكي لنا قصة بنت تعمل هكذا وتقول لها أنا مسلمة وطبعا بعد تكلمها معها ومحاولتها معها بإيجاد عمل لها كبائعة في محل بديلا لترك ماهي عليه من المعصية تقول لها هاتفيا بعض المرات أتعلمين أنا أتعب في قضاء كل اليوم لأجر كنت أتقاضاه في ساعة فقط، لا حول ولا قوة إلا بالله، شعرت بغيرة على ديني وبألم فظيع في قلبي فقلت من المسؤول عن كل هذا، هي تقول (المحاضرة) إننا يجب أن نرحمهم ونساعدهم في ترك الرذيلة، لكننا نخاف منهم على أولادنا ولا ننظر إليهم نظرة الرحمة باعتبارنا أنهم هم المسؤولون باتخاذهم طريق الشيطان والمعصية، فما موقف الإسلام من هذا، ماذا يجب علينا فعله اتجاههم، هل يجوز لي في الإسلام أن أنقل محاضرات ودروس في العفة مثلا وكل ما تحتاجه المرأة المسلمة من الشبكة الإسلامية وإلقاؤها على الأخوات في المسجد، لأني أعرف أن هناك حديثا يقول: أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار. هل هذا صحيح، وقال الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه: الدين النصيحة. فأنا من عادتي دائما أتكلم في الدين وما أن أعلم بآية تحريم أو حديث حتى أذكره في الجميع مبتغية في ذلك وجه الله تعالى وغيرة على إسلامي ــأني لا أملك شهادات ومستواي الباكالوريا بالمغرب، لكن دائما أشغل سمعي بالمحاضرات والدروس ولله الحمد، أفيدوني؟ جزاكم الله خيراً كثيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر لك غيرتك على هذا الدين العظيم وغضبك لله عندما رأيت محارمه تنتهك، وهذا من مقتضيات الإيمان ولوازمه، ولقد بينا في الفتوى رقم: 61716 الواجب تجاه هؤلاء النسوة الفاجرات، وذكرنا المسؤول عنهن فراجعيها.
ونؤكد على وجوب الإنكار على هؤلاء النسوة بقدر المستطاع وتخويفهم بالله العظيم وبأليم عقابه، وبأن الموت يأتي فجأة ثم نلقى الله فيسألنا عن الصغير والكبير والنقير والقطمير مما عملناه في الدنيا، قال الله تعالى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ {المجادلة:6}، وقال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الحجر:92-93}، وقال أيضاً: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {الصافات:24}.
فالدين النصيحة، وقد يستيقظ إيمانهن المخدر، فيثبن إلى رشدهن ويرجعن عن غيهن، وأما قول بعض هؤلاء الداعرات الفاجرات أن ممارسة الرذيلة أيسر من كسب الرزق الحلال، مع أنها تصلي وتصوم، فإن هذا من انتكاس الفطرة وارتكاسها، ونسيان الله والاستهانة بأمره ونهيه، ونخشى أن يؤدي ذلك إلى استحلال هذه الكبائر فيقعن في الكفر بالله العظيم، قال الله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {النور:63}، وقد قال صلى الله عليه وسلم: اتق المحارم تكن أعبد الناس. فليس أعبد الناس من زاد في الصلاة والصيام، وإنما من كف نفسه عما حرم الله واتقى ما يسخطه سبحانه.
وأما كونك تتحرجين من الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة الخوف من التجرؤ على الفتيا، فنقول لك: إن مقام الفتيا يختلف عن مقام الدعوة والنصيحة، والفتيا ليست لكل أحد، وإنما لأهل العلم الذين توفرت فيهم شروط الإفتاء وأجيزوا بذلك.
أما الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك لكل من علم من الشريعة ما يدعو إليه أو ينهى عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية. وانظري الفتوى رقم: 60894 وما تفرع عنها من فتاوى.
ونزيدك أن ممارسة الدعوة إلى الله، والاشتغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أسباب الاستقامة على أمر الله، خاصة في البلاد التي تعج بالمنكرات مثل بلاد الغرب، وانظري الفتوى رقم: 19186، والفتوى رقم: 8580.
هذا، وإن خوفك على أبنائك من التأثر بالنساء الفاجرات هو خوف في محله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
وعلى هذا، فإن الواجب عليك تحصينهم بالعلم النافع، وتقوية الوازع الديني عندهم، وتهيئة المحضن التربوي الذي ينشؤون فيه على مراقبة الله في جميع أحوالهم، فيؤدون الصلاة على وجهها، وتلتزم البنات منهن بالحجاب الشرعي، ومع متابعتك لاستقامتهم على أمر الله فإنه يجب عليك الانتباه لأصدقائهم، فتشاركيهم في اختيارهم، فإن الصاحب ساحب، والطباع سراقة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله... رواه أبو داود والترمذي.
هذا وإن كنت غير قادرة على إظهار شعائر دينك، وليس عندك من العلم ما تدفعين به عن نفسك الشبهات التي قد ترد عليك، وليس عندك من التقوى ما تدفعين به الشهوات، وأمكنك الهجرة إلى بلاد المسلمين، فإن الهجرة تجب عليك حينئذ، وانظري الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10043، 37470، 2007.
والله أعلم.