السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم أنا امرأة متزوجة وعندي طفل عمره سنتان والحمد لله وأعيش الآن مع زوجي في فرنسا منذ أربع سنوات.. وأنا أحب الإسلام من كل قلبي أتمنى لو أستطيع استغلال وجودي في فرنسا حتى أتعلم وأجيد اللغة الفرنسية وأكمل في ذات الوقت دراستي العليا في اللغة الإنكليزية لما في ذلك من خدمة لحركة الترجمة التي تراجعت كثيرا بما في ذلك ترجمة الكتب والافكار الإسلامية.. ولكن هذا يعني بالطبع تأجيل أمر الإنجاب مدة غير قصيرة وخصوصا أني بعد أن أنجبت ولدي الأول أوقفت دراستي وتفرغت لولدي ولم يكن عندي مجال لأفعل أمرين في ذات الوقت، ورغم أن زوجي لا يعارض تأجيل الإنجاب ويشجعني على إتمام دراستي خصوصا أنه هو أيضا يريد إكمال دراسته إلا أني أعرف أن مهمتي الأولى هي إنجاب الأولاد وتربيتهم.. والاهتمام ببيتي ولكني أعلم أن الله رزقني القدرة على التعلم أيضا، والذي أريد أن أخدم به الإسلام فكيف أوفق بين الأمرين وأيهما أبدي على الآخر وإن كان الإنجاب هو الأولى، فهل لك أن تذكر لي لو تكرمت أدلة تظهر ما للمرأة التي تبذل نفسها في سبيل بيتها وأولادها وزوجها من كرامة وأجر عند الله عز وجل.. وهدانا الله وإياك إلى كل ما يرضيه؟ وجزاك عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبارك الله فيك وأحبك الله كما أحببت دينه، ونسأل الله أن يحقق لك أمنيتك في خدمة الإسلام، وأما عن سؤالك أيهما المقدم الإنجاب أم التفرغ لطلب العلم، فلا شك أن كثرة الإنجاب مطلب شرعي لما فيه من تكثير سواد هذه الأمة، وعامل مهم من عوامل قوتها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه العراقي.
غير أنه لا بأس بتنظيم الحمل وتأخيره لتحقيق مصلحة إذا كان بوسيلة مباحة، فقد أذن الشارع في ذلك لحاجة وإن كانت دنيوية، كما روى مسلم في حديث جابر رضي الله عنه، قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. رواه مسلم.
ولا شك أن تعلم هذه اللغات وترجمة الكتب الإسلامية إليها، نوع من أنواع الدعوة إلى الله التي هي واجبة على عموم الأمة وجوباً كفائياً، فلا حرج عليك من تأخير الحمل لتحقيق هذه المصلحة إذا كان زوجك راضيا بذلك.
وأما طلبك لبعض الأدلة التي تدل على ما للمرأة التي تبذل نفسها في سبيل بيتها وأولادها وزوجها من كرامة وأجر عند الله عز وجل فمن ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله. رواه البزار والطبراني.
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته حديثها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترا من النار. والمراد بالإحسان إليهن صيانتهن، والقيام بما يصلحهن من نفقة وكسوة، وتعليم، وتأديب ونحو ذلك.
وخص البنات لضعف قوتهن، وقلة حيلتهن، وزيادة كلفتهن ونحو ذلك، وإلا فالحكم يشمل الذكور على القول الراجح، ويدل لهذا ما رواه الطبراني في معجمه الكبير ومعجمه الصغير بسند فيه ضعف يسير عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابناها، فسألته فأعطاها ثلاث تمرات لكل واحد منهم تمرة، فأعطت كل واحد منهما تمرة، فأكلا، ثم نظرا إلى أمهما فشقت التمرة نصفين، وأعطت كل واحد منهما نصف تمرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد رحمها الله برحمة ابنيها.
والله أعلم.