السؤال
هل من الممكن القول إن فعل الخير والالتزام بالأخلاق الطيبة يفضي بأهل الكتاب إلى جنة خاصة بهم رغم عدم إيمانهم بما جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أسأل هذا السؤال لأنني أصبحت أشاهد وأسمع أقوالا لأناس دينهم الإسلام يسلكون مسلكا غريبا في إدراك معاني وقيم التسامح التي تعامل بها ديننا الحنيف مع غيره من أصحاب الديانات الأخرى، فإذا كان البعض يتسم بالغلو لجهلهم الخاطىء بتعاليم الإسلام السمحة فإن هناك فئة أخرى وهي التي أود الحديث عنها اتخذ تطرفها شكلا آخر إذ إنهم لا يفرقون بين التسامح والتذلل لهؤلاء الناس بين التعايش بمنطق لكم دينكم ولي دين وبين الانبهار بمنكراتهم والرغبة في تقليدهم التقليد الأعمى حتى ما عدت تميز المسلم منهم وقد انسلخ عن جلده وقد نزع عنه لباس التقوى ذلك أن الأديان في منطقهم سواء أن تكون مسلما أو نصرانيا أويهوديا فلك أن تختار، وإذا سألتهم لماذا أنتم مسلمون يقولون إننا وجدنا آباءنا كذلك ، أو لأن الله وعد المسلمين بجنة أرقى وأجمل من تلك التي سيحظى بها أهل الكتاب إذا ما التزموا بدينهم جهل آخر بتعاليم الإسلام تنطوي عليه نفوس العديد من أبنائه لأن كلمة الحق في هذا الباب وخصوصا في الظروف الحالية لا وجود لها مخافة أن يقذف قائلها بالتطرف والغلو لكن أبناء هذه الأمة الإسلامية ضائعون بحاجة ماسة لمن يبرز لهم مكانة الإسلام وقيمته في حياتهم اليومية وأنه لا مجال للمقارنة بينه وبين الديانات الأخرى لأنه الدين الخاتم المهيمن الذي لم يطله تحريف ، أليس سبحانه القائل "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين . المرجو الإجابة على سؤالي ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العلي القدير أن يجزل لك الثواب ويتقبل منك غيرتك للإسلام، ونريد أن نضع بعض الملاحظات على ما كتبته مشكورة، وذلك حول النقاط التالية: ـ التزام أهل الكتاب بالأخلاق الطيبة وفعلهم للخير، هل يمكن أن يدخلهم جنة خاصة بهم . ـ تذلل المسلمين للكفار والانبهار بحضارتهم. ـ تسويغ بعض المسلمين لانتمائهم للإسلام بأنهم وجدوا عليه آباءهم، أو بأنه سيجلب لهم جزاء أرقى من الجزاء الموعود به أهل الكتاب. وحول النقطة الأولى: فإنا لا نزيدك علما فيها، لأنك قد أوردت الآية الكريمة التي تبين خسران كل من انتهج منهجا غير منهج الإسلام، وأن ذلك لا يقبل منه. وفي آية أخرى قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ {آل عمران:19}. ويؤكد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم. ـ وحول تذلل المسلمين للكفار، فإن ذلك لا يجوز إطلاقا. لما يؤدي إليه من إذلال المسلم واستكانته، وتعظيم أهل الكفر، وقد قال تعالى:ِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً {النساء: 141}. فالواجب على هؤلاء التوبة مما هم فيه. ـ وحول تبريرهم انتماءهم إلى الإسلام بما ذكرت من التبريرات ففيه الخطأ من جهتين، الأولى: أن واجب الإنسان العاقل أن يتأمل الأمور ويبحث عن الصواب، لا أن يأخذ من بيئته كل ما وجد فيها من خير وشر. وإن أخذهم الإسلام عن آبائهم أمر حسن، ولكن قد يكون فيما كان عند الآباء بعض الأخطاء والبدع التي تنافي الإسلام ، فكان عليهم أن لا يكتفوا بميراث ما خلفه الماضون، بل يمحصونه تمحيصا ويأخذونه بقوة وبصيرة، فذلك أدعى لرسوخه وصلابته. والخطأ الثاني: اعتقادهم أن المسلمين سيجزون جزاء أحسن مما يجزى به أهل الكتاب، مما يدل على أنهم يعتقدون صحة ما عليه أهل الكتاب؛ إلا أن الإسلام أكمل منه، والرد على هذا قد مضى في الكلام على النقطة الأولى.
والخلاصة أن هذه الأمة بحاجة ماسة ـ كما ذكرت ـ إلى أناس غيورين لهذا الدين ، ينقحونه وينفون عنه الشوائب، ويخلصون ضعاف الإيمان ومرضى القلوب مما هم فيه من الذل والاستكانة.
والله أعلم.