السؤال
هل يجب على المسبوق أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته في كل حال؟ حتى لو لم يكن الإمام قد سها في صلاته…؟ أم إن الخلاف في المسألة في حالة المسبوق فيما إذا سها الإمام في صلاته؟
هل يجب على المسبوق أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته في كل حال؟ حتى لو لم يكن الإمام قد سها في صلاته…؟ أم إن الخلاف في المسألة في حالة المسبوق فيما إذا سها الإمام في صلاته؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمسبوق لا يسجد للسهو لكونه مسبوقا، وإنما يسجد تبعا لإمامه إذا سها، فإذا سها الإمام سجد، وتبعه المسبوق، وإن لم يسه الإمام فلا يسجد المسبوق إلا إذا سها فيما انفرد بفعله بعد إمامه، فيسجد لسهو نفسه، وقال بعض السلف: إن المسبوق يسجد إذا أدرك الإمام في وتر من صلاته، والصواب قول الجمهور، وأنه لا يسجد.
قال ابن قدامة: وَلَيْسَ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ سُجُودٌ لِذَلِكَ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيُرْوَى عَن ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَإِسْحَاقَ، فِي مَنْ أَدْرَكَ وِتْرًا مِنْ صَلَاةِ إمَامِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، لِأَنَّهُ يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التَّشَهُّدِ، وَلَنَا: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ـ وَفِي رِوَايَةٍ: فَاقْضُوا ـ وَلَمْ يَأْمُرْ بِسُجُودٍ، وَلَا نُقِلَ ذَلِكَ، وَقَدْ فَاتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُ الصَّلَاةِ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَضَاهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ سُجُودٌ، وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَلَسَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَشَهُّدِهِ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ يُشْرَعُ لِلسَّهْوِ، هَاهُنَا، وَلِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ يَسْجُدْ لِفِعْلِهَا كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. انتهى.
ثم اختلف العلماء في مواضع متعلقة بسجود المسبوق للسهو، منها أنه إذا سجد مع الإمام فهل يسجد في آخر صلاته، أو يكفيه سجوده مع إمامه؟ ومنها، هل يسجد إذا لم يدرك سهو الإمام؟ أم لا يسجد؟ ومذهب الجمهور أنه يسجد ولو لم يدرك سهو الإمام.
وقد فصل ابن قدامة أحكام سهو المسبوق، ونحن ننقل كلامه للتم الفائدة، قال رحمه الله: وَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا فَسَهَا الْإِمَامُ فِيمَا لَمْ يُدْرِكْهُ فِيهِ، فَعَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ، أَوْ بَعْدَهُ، رُوِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِسْحَاقُ: يَقْضِي، ثُمَّ يَسْجُدُ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ، كَقَوْلِنَا، وَبَعْدَهُ، كَقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي زَادِ الْمُسَافِرِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ خَارِجٌ مِنْ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَتَّبِعْ الْإِمَامَ فِيهِ، كَصَلَاةٍ أُخْرَى، وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا ـ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: فَإِنْ سَهَا إمَامُهُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ ـ وَلِأَنَّ السُّجُودَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ فَيُتَابِعُهُ فِيهِ، كَاَلَّذِي قَبْلَ السَّلَامِ، وَكَغَيْرِ الْمَسْبُوقِ، وَفَارَقَ صَلَاةً أُخْرَى، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُؤْتَمٍّ بِهِ فِيهَا، إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَمَتَى قَضَى، فَفِي إعَادَةِ السُّجُودِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يُعِيدُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ السَّهْوِ، وَمَا فَعَلَهُ مِنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ كَانَ مُتَابِعًا لَهُ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا لَزِمَهُ، كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ، وَالثَّانِيَةُ، لَا يَلْزَمَهُ السُّجُودُ، لِأَنَّ سُجُودَ إمَامِهِ قَدْ كَمَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فِي حَقِّهِ، وَحَصَلَ بِهِ الْجُبْرَانُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى سُجُودٍ ثَانٍ، كَالْمَأْمُومِ إذَا سَهَا وَحْدَهُ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ السُّجُودَ، سَجَدَ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْإِمَامِ مَا يَكْمُلُ بِهِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، وَإِذَا سَهَا الْمَأْمُومُ فِيمَا تَفَرَّدَ فِيهِ بِالْقَضَاءِ، سَجَدَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُنْفَرِدًا، فَلَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ، وَهَكَذَا لَوْ سَهَا، فَسَلَّمَ مَعَ إمَامِهِ، قَامَ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ، كَالْمُنْفَرِدِ، سَوَاءً. انتهى.
ولمزيد من الفائدة انظر الفتاوى: 71044، 113588، 140949.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني