السؤال
عملت على تأسيس شركة أنا وصديقٍ كأخ لي. وبعد سنة من العمل والتخطيط، والتدبير المالي، وإعداد المكتب، وغيره. اتفقنا على تقاسم المهام بحيث يقوم هو بتدبير أمور الشركة من الداخل، وأنا أتدبر أمرا آخرا من الخارج (في مرحلة البناء والتأسيس).
بعد 3 أشهر من هذا الاتفاق، أتفاجأ بأنه أعلن افتتاح الشركة دون علمي، وبصفة فردية!! وعندما راجعته بذلك، طلب مني فض الشراكة، وعندما سألته عن الأسباب قال إن هناك تقصيرا مني (وأنا أعترف أنه كان هنالك تقصير مني في فترة سابقة، ولأسباب هو يعلمها، وكان متفهما لها) بالإضافة لأسباب لم يطلعني عليها، أو يراجعني فيها. ولم يكتف بذلك، بل بخّس عملي بشكل صادم!
حاولت معه في البداية أن ننظر طريق الإصلاح، وأن نتروى؛ لأنه ليس من العدل أن يترك أحدنا العمل مجبرا، إلا أنه رفض ذلك تماما. كررت المحاولة، وفي كل مرة يرفض.
للأمانة فقد خيرني بين أن أتمسك أنا بالشركة، وأدفع له. وبين العكس، مع تصريحه مرارا أنه يريدها، وأنه أحق بها مني. إلا أنني كنت في ذلك الوقت في ضيق شديد، فقد كنت تاركا لعملي منذ شهرين، ورزقت بطفل جديد، وكنت ما بين أن أضع كل مدخرات البيت، بل وفوقها الضعف، لأدفع له وآخذ الشركة. وبين أن أترك الشركة، ويدفع هو لي. فوجدت نفسي مجبرا على ترك الشركة بسبب الوضع الذي أنا فيه، مع أنني أخبرته بأن هذا ليس اختيارا، بل هو إجبار على التنازل، إلا أنه كان مصرا، وقضي الأمر بأخذه الشركة، ودفعه لي.
استشرت مستشارا -كلانا يعرفه- لديه باع طويل في المجال، فأخبرني بأن القسمة تكون حسب القيمة المادية، وقيمة الجهد المبذول، وقيمة الأرباح المتوقعة للسنة القادمة؛ لأننا على أبواب الافتتاح، وأن وقت الحصاد قد بدأ. لكنه رفض ذلك قطعيا، وأصر على القسمة المادية فقط، والتي هي بعد إزالة المصاريف الإدارية للتخطيط والتجهيز، تساوي ثلث رأس المال.
حاولت في البداية الأخذ بالفضل والعشرة أثناء النقاشات، لكن بلا جدوى. طبعا لم يكن لدي خيار إلا التنازل، فكل شيء باسمه.
أشعر بالظلم الشديد، إزاء ما حدث. أعلم أن من حق الطرفين فض الشراكة في أي وقت، لكنه وضعني موضع الإجبار تحت اسم التخيير.
فهل يسقط حقي؟ وهل حقا ليس هنالك ظلم فيما حدث، فقط لأنني وافقت مكرها، ومجبرا على أخذه للشركة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعقد الشركة من العقود الجائزة، عند الجمهور؛ فيجوز لكل من الشركاء الفسخ، لكن بعض أهل العلم منع الفسخ قبل أن تؤتي الشركة ثمارها، وتحصل السيولة النقدية.
وعلى القول بجواز الفسخ قبل حصول السيولة النقدية، فمن حق الشريك أن يطالب بقسمة أموال الشركة، وليس من حقّه بيعها لنفسه، أو لغيره، دون رضا الآخر.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: والشركة من العقود الجائزة، تبطل بموت أحد الشريكين، وجنونه، والحجر عليه للسفه، وبالفسخ من أحدهما؛ لأنها عقد جائز، فبطلت بذلك، كالوكالة. وإن عزل أحدهما صاحبه، انعزل المعزول، فلم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع؛ لأن المعزول لم يرجع عن إذنه.
هذا إذا كان المال ناضا، وإن كان عرضا، فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد، أنه لا ينعزل بالعزل، وله التصرف حتى ينض المال، كالمضارب إذا عزله رب المال، وينبغي أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى، أو التصرف بغير ما ينض به المال. وذكر أبو الخطاب أنه ينعزل مطلقا. وهو مذهب الشافعي؛ لأنه عقد جائز، فأشبه الوكالة.
فعلى هذا إن اتفقا على البيع، أو القسمة، فَعَلا. وإن طلب أحدهما القسمة، والآخر البيع. أجيب طالب القسمة دون طالب البيع. انتهى.
وإذا لم يحصل تراض واتفاق بين الشركاء؛ فالذي يفصل بينهم هو القضاء.
والظاهر -والله أعلم- أنّك وافقت على ترك الشركة له، ولم تكن مكرها؛ فلم يحصل من الشريك تهديد لك بالضرر الشديد الذي يجعلك في حكم المكره.
قال المرداوي -رحمه الله- في الإنصاف، في معرفة الراجح من الخلاف: يُشْتَرَطُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ -بِكَسْرِ الرَّاءِ- قَادِرًا بِسُلْطَانٍ، أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ، وَهَرَبِهِ، وَاخْتِفَائِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْحَبْسِ، وَالْقَيْدِ الطَّوِيلَيْنِ، وَأَخْذِ الْمَالِ الْكَثِيرِ. انتهى.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في الكافي، في بيان بيع التلجئة: وبيع التلجئة: وهو أن يخاف الرجل ظالماً يأخذ ماله، فيواطئ رجلاً يظهر بيعه إياه ليحتمي بذلك، ولا يريدان بيعاً حقيقياً، فلا يصح؛ لأنهما ما قصداه، فهو كبيع المكره. انتهى.
والله أعلم.