الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعقد الشركة من العقود الجائزة، عند الجمهور؛ فيجوز لكل من الشركاء الفسخ، لكن بعض أهل العلم منع الفسخ قبل أن تؤتي الشركة ثمارها، وتحصل السيولة النقدية.
وعلى القول بجواز الفسخ قبل حصول السيولة النقدية، فمن حق الشريك أن يطالب بقسمة أموال الشركة، وليس من حقّه بيعها لنفسه، أو لغيره، دون رضا الآخر.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: والشركة من العقود الجائزة، تبطل بموت أحد الشريكين، وجنونه، والحجر عليه للسفه، وبالفسخ من أحدهما؛ لأنها عقد جائز، فبطلت بذلك، كالوكالة. وإن عزل أحدهما صاحبه، انعزل المعزول، فلم يكن له أن يتصرف إلا في قدر نصيبه، وللعازل التصرف في الجميع؛ لأن المعزول لم يرجع عن إذنه.
هذا إذا كان المال ناضا، وإن كان عرضا، فذكر القاضي أن ظاهر كلام أحمد، أنه لا ينعزل بالعزل، وله التصرف حتى ينض المال، كالمضارب إذا عزله رب المال، وينبغي أن يكون له التصرف بالبيع دون المعاوضة بسلعة أخرى، أو التصرف بغير ما ينض به المال. وذكر أبو الخطاب أنه ينعزل مطلقا. وهو مذهب الشافعي؛ لأنه عقد جائز، فأشبه الوكالة.
فعلى هذا إن اتفقا على البيع، أو القسمة، فَعَلا. وإن طلب أحدهما القسمة، والآخر البيع. أجيب طالب القسمة دون طالب البيع. انتهى.
وإذا لم يحصل تراض واتفاق بين الشركاء؛ فالذي يفصل بينهم هو القضاء.
والظاهر -والله أعلم- أنّك وافقت على ترك الشركة له، ولم تكن مكرها؛ فلم يحصل من الشريك تهديد لك بالضرر الشديد الذي يجعلك في حكم المكره.
قال المرداوي -رحمه الله- في الإنصاف، في معرفة الراجح من الخلاف: يُشْتَرَطُ لِلْإِكْرَاهِ شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُكْرِهُ -بِكَسْرِ الرَّاءِ- قَادِرًا بِسُلْطَانٍ، أَوْ تَغَلُّبٍ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ، مَعَ عَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ، وَهَرَبِهِ، وَاخْتِفَائِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا، كَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْحَبْسِ، وَالْقَيْدِ الطَّوِيلَيْنِ، وَأَخْذِ الْمَالِ الْكَثِيرِ. انتهى.
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في الكافي، في بيان بيع التلجئة: وبيع التلجئة: وهو أن يخاف الرجل ظالماً يأخذ ماله، فيواطئ رجلاً يظهر بيعه إياه ليحتمي بذلك، ولا يريدان بيعاً حقيقياً، فلا يصح؛ لأنهما ما قصداه، فهو كبيع المكره. انتهى.
والله أعلم.