السؤال
نحن نعلم أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، وأن الأحرف غير القراءات، وأن القراءات غير الروايات، وهذه الثلاثة لا تعني شيئًا واحدًا، حتى وإن عنت أشياء مرتبطة.
وعندما جمع سيدنا عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- القرآن على حرف قريش، هل تم تحييد باقي الأحرف؛ لعدم الحاجة إليها بعد تلك النقطة من الزمن؛ لأن البلاد الإسلامية انفتحت على بعضها، وتداخلت اللهجات (الأحرف)، فلزم توحيد القرآن على حرف واحد؟ مع العلم أن الرسم يوافق القراءات كلها، ولكن القراءات غير الأحرف، فهل كل ما تبقى من الأحرف هو حرف قريش؟
ونحن نعلم أن القرآن الكريم بأحرفه السبعة من عند الله سبحانه وتعالى، فكيف لحادث جاء بعد الأحرف السبعة، والقراءات العشر أن يكون أيضًا كلام الله عز وجل، فالروايات عشرون، والقراءات عشر، والأحرف سبعة، فالقرّاء العشرة أنتجوا عشرين راويًا، فهل الروايات العشرون اجتهاد من عند الرواة؟
إن أجبتم عن السؤال الأول بأن القراءات والأحرف هما مفهوم واحد، فكيف للقراءات السبع التي أضيف لها ثلاث لاحقًا أن تشمل سبعة أحرف؟ فإن كانت أول سبع قراءات هن الحروف السبعة، فما شأن الثلاثة المضافة لاحقًا؟ جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في تعيين المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ولكنهم لم يختلفوا في أنها غير القراءات السبع الواردة في متن الشاطبية، قال السيوطي في الإتقان: قال أبو شامة: ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف أهل العلم قاطبة. اهـ.
وراجع في ذلك الفتاوى: 5963، 18304، 335257.
وأما جمع عثمان -رضي الله عنه- الناس على حرف واحد، فكان من توفيق الله تعالى؛ لئلا يختلف الناس في القرآن، وليس في ذلك تضييع لشيء من الوحي، فكل حرف من السبعة كافٍ شافٍ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبرئيل، وميكائيل، فجلس جبرئيل عن يميني، وجلس ميكائيل عن يساري، فقال: اقرأ على حرف، فقال: ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ القرآن على حرفين، قال: استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، قال: وكل كاف شاف. رواه النسائي، وصححه الألباني.
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: قال حذيفة -رضي الله عنه- لعثمان -رضي الله عنه-: «أدرك هذه الأمة لا تختلف كما اختلفت الأمم قبلهم»، فجمع الناس على حرف واحد اجتماعًا سائغًا، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلال، ولم يكن في ذلك ترك لواجب، ولا فعل لمحظور؛ إذ كانت قراءة القرآن على سبعة أحرف جائزة، لا واجبة؛ رخصة من الله تعالى، وقد جعل الاختيار إليهم في أي حرف اختاروه ... فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق، وتختلف، وتتقاتل إن لم تجتمع على حرف واحد، جمعهم الصحابة عليه، هذا قول جمهور السلف من العلماء، والقراء، قاله ابن جرير، وغيره. ومنهم من يقول: إن الترخص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام؛ لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولًا، فلما تذلّلت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرًا عليهم، وهو أوفق لهم -: أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى: 435859.
وأما السؤال الثاني، فجوابه: أن القراءة، وكيفية أدائها، ليست من اجتهاد القراء، ولا الرواة! وإنما هي بالتلقّي مشافهة من أفواه المشايخ، بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقرئون من الصحابة كانوا عددًا، وأما قُرَّاء التابعين فلا يحصون كثرةً، فضلًا عن تابعيهم، فضلًا عمن جاء بعدهم، وكثير منهم يأخذ القراءة عن عدة من الشيوخ؛ فتتعدد طرق قراءته، وضبط ذلك في النقل عنهم من الصعوبة بمكان؛ فعمد أهل العلم إلى اختيار إمام من كل ناحية، يكون مشهورًا بالإتقان، مُجمعًا على جلالته، وإمامته، وضبطه، وعدالته، واقتصروا على النقل عنه؛ طلبًا لضبط القراءات، وسهولة الحفظ، وإتقان النقل، وكان أشهر هؤلاء هم القراء السبعة الذين اقتصر عليهم ابن مجاهد، وهؤلاء السبعة، وغيرهم من القراء قد يكون للواحد منهم في كلمة واحدة أكثر من وجه، فيقرئ بعض الرواة عنه بوجه، ويقرئ غيرهم بوجه آخر؛ فتتعدد الروايات عنه.
وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى: 335329، 425158، 133751، 195139.
ولمزيد الفائدة، يمكن الاطلاع على الفتويين: 425158، 172105.
والله أعلم.