السؤال
زوجي متسلط جدا، وظالم، وكل يوم نعيش في مشكلة، وشتائم بالأم والأب، حاولت الطلاق لكن عائلتي رفضت؛ لأنهم يرون الطلاق عارا عليهم. آخر مشكلة لنا أني قلت له أنا كرهتك طلقني، لا أطيق العيشة معك، فاتصل بأهلي، وقال لهم: إنها تقول لي: كرهتك وطلقني. لما واجهوني به أنكرت خوفا منهم. أول مرة أكذب، وخائفة جدا من عقاب ربنا لي، وأستغفر. فماذا أفعل لأكفر عن ذنبي هذا؟
من تسلطه ما عندي فرصة غير أني أتكلم مع صديقاتي في التليفون؛ لأنه حابسني في الشقة، ونتكلم كلاما عاديا. المهم صادف في وجوده أن اتصلت أكثر من صديقة، فحلف يمين طلاق أني لا أكلمهن. قلت له: طلقني إذن، فقال: لا، وقال إنه كان يهددني.
هل لو ساءت نفسيتي يوما ما، وكلمت واحدة منهن يقع الطلاق، مع أنه يهددني، وما عنده نية للطلاق؟ لأني أصلا أقول له طلقني ليأتي الطلاق منه قدام أهلي، ولكنه غير راض.
أنا أتمنى أكلمهن، ولا أريد أن يقع يمين الطلاق في أمر مثل هذا؛ حتى لا أعاقب من أهلي. فهل لو كلمتهن يقع الطلاق، أم يكون يمينا عاديا أوقعته له؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالمفتى به عندنا؛ أنّك إذا كلمت هؤلاء الصديقات؛ وقع طلاقك، وهذا قول أكثر أهل العلم، لكن بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أنّ حكم الحلف بالطلاق الذي لا يقصد به إيقاع الطلاق، وإنما يراد به التهديد، أو التأكيد على أمر، حكم اليمين بالله، فإذا وقع الحنث لزم الحالف كفارة يمين، ولا يقع به طلاق، وانظري الفتوى: 11592.
وإذا كان زوجك على الحال التي ذكرت من الإساءة دون حقّ، وسب أمك وأبيك؛ فهو ظالم؛ ومن حقّك رفع أمره إلى القاضي ليردعه، أو يحكم بالطلاق للضرر إن أردت.
قال الدردير -رحمه الله- في الشرح الكبير: ولها -أي للزوجة- التطليق على الزوج بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا؛ كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك، وسبها، وسب أبيها. انتهى.
ونصيحتنا لك أن تتفاهمي مع زوجك، وتذكريه بما أوجب الله عليه من المعاشرة بالمعروف، أو يكلمه في ذلك بعض الصالحين من الأقارب أو غيرهم؛ فإن عاشرك بالمعروف، فعاشريه بمعروف، واصفحي عما كان في الماضي.
وأمّا إذا بقي على سوء عشرته لك، وأردت فراقه؛ فلا حقّ لأهلك بمنعك من فراقه، بحجة أن الطلاق عار؛ فالطلاق ليس عارا، وليس شرًّا في كل الأحوال، بل ربما كان خيرًا للزوجين، قال تعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ {النساء130}.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أي وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. انتهى.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد: قَدْ يَكُونُ الطَّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النِّعَمِ الَّتِي يَفُكُّ بِهَا الْمُطَلِّقُ الْغُلَّ مِنْ عُنُقِهِ، وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ، فَلَيْسَ كُلُّ طَلَاقٍ نِقْمَةً، بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكَّنَهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالطَّلَاقِ إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ. انتهى.
والله أعلم.