السؤال
ما الحُكم الشَّرعيُّ في تَقْدِيْمِ الرِّجَال عَلَى النِّسَاء في صلاة الجِنازة، وكَذلكَ فِي الدَّفْن في المَقبرَة في حالةِ الموت الجماعِيّ؟
ما الحُكم الشَّرعيُّ في تَقْدِيْمِ الرِّجَال عَلَى النِّسَاء في صلاة الجِنازة، وكَذلكَ فِي الدَّفْن في المَقبرَة في حالةِ الموت الجماعِيّ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأفضل هو الصلاة على الجنائز المجتمعة صلاة واحدة، لأنه ظاهر حال السلف، ولما فيه من المحافظة على الإسراع والتخفيف، وقيل: بل إفراد كل جنازة بصلاة أفضل.
جاء في المغني لابن قدامة: ولا خلاف بين أهل العلم في جواز الصلاة على الجنائز، دفعة واحدة، وإن أفرد كل جنازة بصلاة جاز، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه صلى على حمزة مع غيره».
وقال حنبل: صليت مع أبي عبد الله على جنازة امرأة منفوسة، فصلى أبو إسحاق على الأم، واستأمر أبا عبد الله، وقال: أصلي على ابنتها المولودة أيضا؟ قال أبو عبد الله: لو أنهما وضعا جميعا كانت صلاتهما واحدة، تصير إذا كانت أنثى عن يمين المرأة، وإذا كان ذكرا عن يسارها. وقال بعض أصحابنا: إفراد كل جنازة بصلاة أفضل، ما لم يريدوا المبادرة. وظاهر كلام أحمد في هذه الرواية التي ذكرناها، أنه أفضل من الإفراد، وهو ظاهر حال السلف؛ فإنه لم ينقل عنهم ذلك. اهـ.
وفي كشاف القناع: (وجمع الموتى في الصلاة عليهم أفضل من الصلاة عليهم منفردين) أي: على كل واحد وحده، محافظة على الإسراع والتخفيف .اهـ.
وفي حال جمع الموتى في الصلاة عليهم، فإنه يجعل الرجل مما يلي الإمام، ويقدم على المرأة، قال ابن قدامة في المغني: لا خلاف في المذهب أنه إذا اجتمع مع الرجال غيرهم، أنه يجعل الرجال مما يلي الإمام، وهو مذهب أكثر أهل العلم، فإن كان معهم نساء وصبيان، فنقل الخرقي هاهنا، أن المرأة تقدم مما يلي الرجل، ثم يجعل الصبي خلفهما مما يلي القبلة؛ لأن المرأة شخص مكلف، فهي أحوج إلى الشفاعة...
والمنصوص عن أحمد، في رواية جماعة من أصحابه، أن الرجال مما يلي الإمام، والصبيان أمامهم، والنساء يلين القبلة. وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي؛ لأنهم يقدمون عليهن في الصف في الصلاة المكتوبة، فكذلك يقدمون عليهن مما يلي الإمام عند اجتماع الجنائز، كالرجال... ولا خلاف في تقديم الرجل على المرأة... ولا خلاف في تقديم الخنثى على المرأة؛ لأنه يحتمل أن يكون رجلا، وأدنى أحواله أن يكون مساويا لها. اهـ.
وكذلك في حال إفراد كل جنازة بصلاة: فإن الرجل يقدم على المرأة، إلا أن تسبق المرأة فتُقدم، جاء في الدر المختار للحصكفي: (وإذا اجتمعت الجنائز فإفراد الصلاة) على كل واحدة (أولى) من الجمع، وتقديم الأفضل أفضل (وإن جمع) جاز، ثم إن شاء جعل الجنائز صفا واحدا، وقام عند أفضلهم، وإن شاء (جعلها صفا مما يلي القبلة) واحدا خلف واحد (بحيث يكون صدر كل) جنازة (مما يلي الإمام) ليقوم بحذاء صدر الكل، وإن جعلها درجا فحسن لحصول المقصود (وراعى الترتيب) المعهود خلفه حالة الحياة، فيقرب منه الأفضل فالأفضل الرجل مما يليه؛ فالصبي فالخنثى فالبالغة فالمراهقة؛ والصبي الحر يقدم على العبد، والعبد على المرأة. اهـ.
جاء في حاشية ابن عابدين: (وتقديم الأفضل أفضل) أي يصلي أولا على أفضلهم، ثم يصلي على الذي يليه في الفضل، وقيده في الإمداد بقوله إن لم يكن سبق، أي وإلا يصلي على الأسبق ولو مفضولا. اهـ. وراجع للفائدة الفتوى: 118009.
وأما الدفن: فإنه إذا مات جماعة وأمكن أن تتولى جماعة دفن ميت، وجماعة أخرى دفن الميت الآخر، وهكذا فهو المطلوب لتحقيق المسارعة بالدفن المأمور به, وإن لم يمكن ذلك، فالواجب تقديم من خشي تغيره, وإلا قدم الأسبق لأنه الأحق بذلك إلا ما استثني, فإن استووا في الحضور أقرع بينهما. ولو حصلت ضرورة بدفن اثنين في قبر واحد، فإنه يقدم وضع الذكر على الأنثى, ويجعل في جهة القبلة, إلا إذا سبق وضع الأنثى قبل الذكر، فلا تنحى لسبقها. كما سبق بيانه في الفتوى: 74006 .
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني